الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> عهد لعلوة باللوى قد أشكلا >>
قصائدالبحتري
عهد لعلوة باللوى قد أشكلا
البحتري
- عَهْدٌ لعَلْوَةَ باللّوَى قَدْ أشكَلا،
- مَا كَانَ أحْسَنَ مُبْتَدَاهُ وأجْمَلاَ
- أنْسَى لَيَالِينَا هُنَاكَ، وَقَدْ خَلا
- مِنْ لَهْوِنَا، في ظِلّها، ما قَدْ خَلاَ
- عَيْشٌ غَرِيرٌ لَوْ مَلَكْتُ لِمَا مَضَى
- رَدّاً، إذاً لَرَدَدْتُهُ مُسْتَقبِلا
- لامُوا على لَيلي الطّوِيلِ، وَكُلّما
- عادُوا بِلَوْمٍ كَانَ لَيْلي أطْوَلا
- إتْبَعْ هَوَاكَ إلى الحَبِيبِ، فإنّهُ
- رُشْدٌ، وَخَلِّ لِعَاذِلٍ أن يَعْذُلا
- والله لا أسْلُو، وَلَوْ جَهِدَ الذي
- يَلْحي، وَمَا عُذْرُ المُحبّ إذا سَلاَ
- أحْيَا الرّجَاءَ، وَرَدَّ عَادِيَةَ الجَوَى،
- قَوْلُ الذي أهوَى: نَعَمْ مِن بعدِ لا
- وَمِزَاجُهُ كأسِي بِرِيقَتِهِ، التي
- ثَلَجَتْ فؤَادَ مُحِبّهِ، فتَبَلّلاَ
- لا تَعجَبي لِمُعَشَّقٍ أنْ يَرْعَوِي
- عَنْ هَجْرِهِ، وَلعَاشِقٍ أنْ يُوصَلاَ
- بِتْنَا، وَلي قَمَرَانِ: وَجْهُ مُساعدي،
- والبَدْرُ، إذْ وافَى التّمامَ، وأكمَلاَ
- لاحَتْ تَبَاشِيرُ الخَرِيفِ، وأعْرَضَتْ
- قِطَعُ الغُيومِ، وَشَارَفَتْ أنْ تَهطُلا
- فَتَرَوَّ مِنْ شَعْبَانَ إنّ وَرَاءَهُ
- شَهْراً يُمَانِعُنَا الرّحِيقَ السّلْسَلا
- أحْسِنْ بدِجْلَةَ مَنظَراً وَمُخَيَّماً،
- والغَرْدِ في أكْنَافِ دِجْلَةَ مَنزِلا
- خَضِلُ الفِنَاءِ، متى وَطِئتَ تُرَابَهُ
- قُلتَ: الغَمامُ انهَلّ فيهِ، فأسْبَلاَ
- حَشَدَتْ لَهُ الأمواجُ فَضْلَ دَوَافِعٍ
- أعْجَلْنَ دُولاَبَيْهِ أنْ يَتَمَهّلا
- تَبْيَضُّ نُقْبَتُهُ، وَيَسطَعُ نُورُهُ
- حَتّى تَكِلُّ العَينُ فيهِ، وَتَنْكُلا
- كالكَوْكَبِ الدُّرِّيّ أخْلَصَ ضَوْءُهُ
- حَلَكَ الدّجَى، حتّى تألّقَ وانجَلى
- رَفَدَتْ جَوَانِبُهُ القِبَابَ مَيَامِناً
- وَمَيَاسِراً، وَسَفُلْنَ عَنْهُ واعتَلَى
- فَتَخَالُهُ، وَتَخَالُهُنّ إزَاءَهُ،
- مَلِكاً تَدِينُ لَهُ المُلُوكُ، مُمَثَّلا
- وَعَلى أعَاليهِ رَقِيبٌ مَا يَني
- كَلِفاً بتَصريفِ الرّياحِ، مُوَكَّلا
- مِن حَيثُ دارَتْ دارَ يَطلُبُ وَجهَهَا،
- فِعْلَ المُقَاتِلِ جَالَ ثُم استَقْبَلا
- بِدَعٌ لِبِدْعٍ في السّمَاحَةِ مَا تَرَى
- مِنْ أمْرِهِ، إلاّ عَجِيباً، مُجْذِلا
- فَضَلَ الأنَامَ أُرُومَةً مَذْكُورَةً،
- وَتُقًى، وأنْعَمَ في الأنَامِ وأفضَلا
- تَثْني بَوَادِرَهُ الأنَاةُ، وَرُبّما
- سَارَتْ عَزِيمَتُهُ، فكانَتْ جَحفَلا
- وَرِثَ النّبيّ سَجِيّةً مَرْضِيّةً،
- وَطَرِيقَةً قَصْداً، وَقَوْلاً فَيْصَلا
- فإذا قَضَى في المُشكِلاَتِ تَرَاَدفَتْ
- حِكَمٌ تُرِيكَ الوَحيَ كيفَ تَنَزّلا
- يابنَ الهُداةِ الرّاشِدِينَ، وَمَنْ بهمْ
- أرْسَتْ قَوَاعدُ ديننَا، فتأثّلا
- خِرْقٌ سَمَتْ أخْلاَقُهُ، فتَرَفّعَتْ،
- وأضَاءَ رَوْنَقُ وَجْهِهِ فَتَهَلّلا
- فإذا تَرَفّعَ في المَنَاسِبِ، واعتَزَى
- لأُبُوّةٍ يَتْلُو الأخيرُ الأوّلا
- عَدَّ النّجُومَ الطّالِعَاتِ مُؤهَّلاً
- للأمْرِ، أوْ مُسْتَخْلَفاً أو مُرْسَلا
- أصْحَبْتُهُ أمَلي، وَمِثْلُ خِلاَلِهِ
- كَرُمَتْ فأعطَتْ رَاغِباً ما أمّلا
- إنْ شِئْتُ جاءَتْ نَعْمَةٌ، فتُلُقّيَتْ
- مِنْهُ، وَسُهّلَ مَطْلَبٌ، فَتَسَهّلا
- لمْ يَبْقَ إلاّ أنْ تَهُمّ، فيَنْقَضِي
- ما قَدْ تَطَاوَلَ، أوْتَجُزََّ فتَفْضُلا
- قَد قُلتَ، فافعَلْ ما وَأيتَ، وإنّ مِنْ
- عاداتِ جُودِكَ أن تَقُولَ فتَفْعَلا
- وَلَئِنْ عَجِلْتَ بِمَا تُنِيلُ، فإنّهُ
- حَسْبٌ لنَيْلِكَ أنْ يَكُونَ مُعَجَّلا
المزيد...
العصور الأدبيه