الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> عهدي بربعك مأنوسا ملاعبه >>
قصائدالبحتري
عهدي بربعك مأنوسا ملاعبه
البحتري
- عَهْدي بِرَبْعِكَ مَأنوساً مَلاعِبُهُ،
- أشْبَاهُ آرامِهِ، حُسْناً، كوَاعِبُهُ
- يَشُبْنَ للصّبِ في صَفْوِ الهَوى كَدَراً،
- إنْ وَخْطُ شَيْبٍ أُعِيرَتْهُ ذَوَائِبُهُ
- أمَا رَدَدْتَ عن الحاجاتِ مُفْتَقِداً،
- جاهَ الشّبابُ الذي قدْ فاتَ ذاهِبُهُ
- فكَمْ غنيت أخَا لهْوٍ يُطالِبُني
- بِهِ أنَاسِيُّ، مِمّنْ لا أُطَالِبُهُ
- قدْ نَقّلَتْ نُوَبُ الأيّامِ منْ شِيَمي،
- لِكُلّ نَائِبَةٍ رَأيٌ أُجَانِبُهُ
- تَجَارِبٌ أبْدَلَتْني غَيرَ ما خُلُقي،
- وتُوسِعُ المَرْءَ إبْدالاً تَجارِبُهُ
- إذا اقتصَرْتُ على حُكْمِ الزّمانِ فقدْ
- أرَاكَ شَاهِدُ أمْرٍ كيْفَ غائِبُهُ
- كلّفْتَني قَدَراً غَلّتْ ضَرُورَتُهُ
- عَزِيمَتي، وَقَضَاءً ما أُغالِبُهُ
- وَظِلْتَ تَحْسِبُ رَبّ المالِ مالِكَهُ
- على الحُقوقِ، وَرَبُّ المالِ وَاهِبُهُ
- وَما جَهِلْتَ، فلا تجْهَلْ مُحاجَزَتي
- لِصاحِبِ البابِ يُرْمَى عنْهُ حاجِبُهُ
- الأرْضُ أوْسَعُ مِن دارٍ أُلِطُّ بِهَا،
- وَالنّاسُ أكثر مِنْ خِل أُجَاذِبُهُ
- أُعَاتِبُ المَرْءَ فِيما جاءَ وَاحِدَةً،
- ثُمّ السّلامُ عليْهِ لا أُعاتِبُهُ
- وَلَوْ أخَفْتُ لَئِيمَ القَوْمِ جَنّبَني
- أذاتَهُ، وَصَديقُ الكلْبِ ضَارِبُهُ
- وَلنْ تُعِينَ امْرَأً يوْماً وَسَائِلُهُ،
- إنْ لمْ تُعِنْهُ على حُرٍّ ضَرَائِبُهُ
- ألا فَتىً كَأبي العَبّاس يُسْعِدُهُ
- عَلى النّوَالِ، فَلا تُكْدي مَطالِبُهُ
- وَالبَحْرُ لَوْ زِيدَ مِثْلاً يَستعِينُ بهِ،
- لَطَبّقَ الأرْضَ بَادِيهِ وَثَائِبُهُ
- مُكَثِّرٌ هِمّةً في المُكرماتِ، فَما
- تُقْضَى مِنَ الشّرَفِ الأعْلى مَآرِبُهُ
- يَضِيقُ أرْضاً، إذا فاتَتْهُ مكَرمَةٌ،
- وَلمْ يَبِتْ ذِكْرُهَا غُنْماً يُناهِبُهُ
- ولنْ تَرَى مثْلَ كنزِ المَجدِ مُكتَسَباً،
- يَرْعاهُ صَوْناً، من الإنْفاقِ، كاسبُهُ
- باتَ ابْنُ بَدْرٍ لَنَا بَدْراً نَهُدُّ بِهِ
- سُدّ الظّلامِ، إذا امتدّتْ غَياهِبُهُ
- مُناكِبٌ لِدَنِيئَاتِ الأمورِ تُقىً،
- يَزْوَرُّ عَنْ جانِبِ الفحْشاءِ جانِبُهُ
- يُحِبُّ أنْ يَترَاءى مِنْ طَلاقتِهِ،
- إذا اللَئِيمٌ كَرِيهُ الوَجْهِ، قاطِبُهُ
- وعِندَ إشْرَاقِ ذاكَ البشرِ دَرْءُ شذاً،
- كمُنتَضي السيْفِ آجالٌ مَضَارِبُهُ
- جَدٌّ يُطارُ فُضَاضُ الهَزْل عِنهُ إلى
- حِلْمٍ مُقِيمٍ، وَبعضُ الحِلْمِ عازِبُهُ
- شديدُ إحصَادِ فَتْلِ الرّأي، يَنكُلُ عنْ
- جَرْي إلى الغايَةِ القُصْوَى مُخاطِبُهُ
- جَنى عَلى نَفْسِهِ، أو زَادَهَا سَفَهاً،
- إلى الجَهَالَةِ مَغْرُورٌ يُوَارِبُهُ
- مُطالِبٌ بُغْيَةً في كلّ مَكرُمَةٍ،
- مَرْحُولَةٌ لِتَقَصّيها رَكائِبُهُ
- عَبدُ المَدانِ لَهُ جَيْشٌ يُسانِدُهُ،
- بِابْنَيْ جَوَانَ، إذا جاشَتْ جَلائِبُهُ
- فَفِي العُمومةِ سعْدٌ، أوْ عشيرَتُهُ،
- وَفي الخؤولَةِ كِسْرَى، أوْ مَرَازِبُهُ
- قَوْمٌ، إذا أخذوا للحرْبِ أُهْبَتَهَا،
- رَأيْتَ أمْراً قدِ احمرّتْ عَوَاقبُهُ
- يُرَنِّقُ النّسْرُ في جَوّ السّماءِ، وَقَدْ
- أوْمَا إليْهِ شُعَاعُ الشّمسِ يَأدِبُهُ
- إنْ كان عِندَكَ خيْرُ القوْل صَادِقُهُ،
- فَوَاجِبٌ أنّ شَرّ القَوْلِ كَاذِبُهُ
- ومَا حَبَوْتُ أبَا العبّاسِ مَنْقَبَةً
- في المَدْحِ، حتى استحقّتْها مَناقِبُهُ
- وَما تَبَرّعْتُ بِالتقْرِيظِ مُبْتَدِئاً،
- حتى اقتضَتْني، فأحْفَتني موَاهِبُهُ
- دُرٌّ منَ الشِّعْرِ لمْ يَظْلِمْهُ ناظِمُهُ،
- وَلمْ يزغ مُخطىء التّوْسيطِ ثاقِبُهُ
- فِيهِ إذا ما أضَلْتْهُ العقولُ هُدىً،
- هُدى أخي اللّيْلِ أدّتْهُ كواكِبُهُ
- ألله جَارُكَ جَاراً للحَرِيبِ، وَإنْ
- غَدا وَرَاحَ لَنَا، وَالجُودُ حَارِبُهُ
- أزائِدي أنْتَ في جَدْوَاكَ مُنْتَسِباً
- إلى الوَجِيهِ، وَجِيهَاتٍ مَنَاسِبُهُ
- يخْتَالُ في مَشْيِهِ حتَّى يُزَايِدَهُ
- إلى المَخِيلَةِ دون الرّكبِ راكِبُهُ
- وَلَنْ تفُوتَ المُغالي في المَديحِ بهِ،
- حَتى أفُوتَ عَلَيْهِ مَن أُوَاكِبُهُ
المزيد...
العصور الأدبيه