الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> عمرت أبا إسحاق ما صلح العمر >>
قصائدالبحتري
عمرت أبا إسحاق ما صلح العمر
البحتري
- عَمَرْتَ أبا إسحاقَ ما صَلُحَ العُمْرُ،
- وَلاَ زَالَ، مَزْهُوّاً بأيّامكَ، الدّهْرُ
- لَنا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَطائِكَ نَائِلٌ،
- وَعِنْدَكَ مِنْ تَقْرِيظِنَا أبَداً َشكرُ
- وأنتَ نَدًى نَحيا بهِ، حيثُ لا ندَى،
- وَقَطْرٌ نُرَجّي جُودَهُ حيثُ لا قَطْرُ
- على أنّني بَعدَ الرّضَا مُتَسَخِّطٌ،
- وَمُسْتَعتِبٌ من خُطّةٍ سَهلُها وَعْرُ
- وَقَد أوْحَشَتْني رَدّةٌ لمْ أكُنْ لَهَا
- بأهلٍ، ولا عندي بتأوِيلِها خُبرُ
- فَلِمْ جئتُ طَوْعَ الشّوْقِ من بَعد غايتي
- إلى غَيْرِ مُشتاقٍ، وَلِمْ رَدّني بِشْرُ
- وَمَا بَالُهُ يأبَى دُخولي، وَقَد رَأى
- خُرُوجيَ مِنْ أبوَابِهِ، وَيَدي صِفرُ
- وَقد أدرَكَ الأقْوَامُ عندكَ سُؤلَهُمْ،
- وَعَمَّهُمُ من سَيبِ إحسانكَ الكُثرُ
- فكَيفَ تَرى المحمول كُرْهاً على الصّدى
- وَقد صَكّ رِجلَيهِ بأمواجِهِ البَحْرُ
- تأتَّ لمَوْتُورٍ بَدا لَكَ ضِغْنُهُ،
- فإنّ الحِجَابَ عندَ ذي خَطَرٍ وِتْرُ
- وَقد زَعَمُو أنْ لَيْسَ يَغتَصِبُ الفتى،
- على عَزْمِهِ، إلاّ الهَدِيّةُ والسّحْرُ
- فإنْ كُنتَ يَوْماً لا مَحَالَةَ مُهْدِياً،
- فَفي المِهْرَجَانِ الوَقتُ إذ فاتَنا الفِطرُ
- فإنْ تُهْدِ مِيخائِيلَ تُرْسِلْ بتُحْفَةٍ
- تُقَضّى لها العُتْبَى، وَيُغْتَفَرُ الوِزْرُ
- غَرِيرٌ تَرَاءَاهُ العُيُونُ، كأنّما
- أضَاءَ لَهَا في عُقْبِ داجِيَةٍ فَجرُ
- وَلَوْ يَبتَدي في بِضْعَ عَشرَةَ لَيلَةً
- منَ الشّهْرِ، ما شكّ امرُؤٌ أنّهُ البّدرُ
- إذا انصَرَفَتْ يَوْماً بِعَطْفَيْهِ لَفْتَةٌ
- أوِ اعتَرَضَتْ منْ لحظِهِ نَظرَةٌ شَزْرُ
- رأيتَ هَوَى قَلبٍ بَطيئاً نُزُوعُهُ،
- وَحَاجَةَ نَفْسٍ لَيسَ عَنْ مِثلِهَا صَبرُ
- وَمِثْلُكَ أعْطَى مِثْلَهُ لمْ يَضِقْ بهِ
- ذِرَاعاً، ولم يُحرَجْ بهِ، أوْ لَهُ صَدرُ
- عَلى أنّهُ قَدْ مَرّ عُمْرٌ لطيبِهِ،
- وَمِنْ أعظَمِ الآفاتِ في مِثلِهِ العُمرُ
- غَدا تُفْسِدُ الأيّامُ مِنْهُ، وَلَمْ يكنْ
- بأوّلِ صَافي الحُسنِ غَيّرَهُ الدّهرُ
- وَيُمْنَى بحضنيْ لِحْيَةٍ مُدْلَهِمّةٍ،
- لخَدّيهِ منها الوَيْلُ، إنْ ساقَها قَدْرُ
- تَجَافْ لَنَا عَنْهُ، فإنّكَ واجِدٌ
- بهِ ثَمَناً، يُغليهِ في مدحكَ الشّعرُ
- وَلاَ تَطلُبِ العِلاّتِ فيهِ، وَتَرْتَقي
- إلى حِيَلٍ فيها لمُعْتَذِرٍ عُذْرُ
- فَقَدْ يَتَغابَى المَرْءُ في عِظْمِ مالِهِ،
- وَمن تحتِ بُرْدَيْهِ المُغيرَةُ أوْ عَمرُو
- وَيَخْرُقُ بالتّبْذِيرِ، وَهْوَ مُجَرَّبٌ،
- فَلاَ يَتَمَارَى القَوْمُ في أنّهُ غَمْرُ
- وَمَنْ لَمْ يَرَ الإيثَارَ لَمْ يَشْتَهِرْ لَهُ
- فَعَالٌ، وَلَمْ يَبْعَدْ بسُؤدَدِهِ ذِكْرُ
- فإنْ قُلْتَ نَذْرٌ أوْ يَمِينٌ تَقَدّمَتْ،
- فأيّ جَوَاد حَلّ في مالِهِ نَذْرُ
- أتَعْتَدُّهُ عِلْقاً كَرِيماً، فإنّما
- مَرَامُ كَرِيمِ القَوْمِ أنْ يُكرَم الذُّخْرُ
- وإنْ كُنتَ تَهْوَاهُ وَتَقْلَى فِرَاقَهُ،
- فَقَدْ كانَ وَفْرٌ قَبْلَهُ، فمضَى وَفرُ
- وألطَفُ منهُ في الفؤادِ مَحَلّةً
- ثَنَاءٌ، تُبقيهِ القَصَائِدُ، أوْ شُكْرُ
- وَمَا قَدْرُهُ في جَنبِ جودِكَ إن غَدا
- بِرُمّتِهِ، أوْ رَاحَ نَائِلُكَ الغَمْرُ
المزيد...
العصور الأدبيه