الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> عذيرك من نأي غدا وبعاد >>
قصائدالبحتري
عذيرك من نأي غدا وبعاد
البحتري
- عَذيركَ مِنْ نَأيٍ غَدَا، وَبُعَادِ،
- وَسَيرِ مُحِبٍّ، لا يَسِيرُ بِزَادِ
- لِعَلْوَةَ، في هَذا الفُؤادِ، مَحَلّةٌ،
- تَجَانَفْتُ عَنْ سُعْدَى بها وَسُعَادِ
- أتُحْسِنُ إصْفادي، فأشكُرَ نَيْلَها،
- وإنْ كَانَ نزْراً، أوْ تَحُلُّ صِفادي
- وَكيفَ رَحيلي، والفُؤادُ مُخَلَّفٌ،
- أسِيرٌ لَدَيْهَا، لا يُفَكُّ بِفَادِ
- فَوَالله ما أدْرِي، أأثْني عَزِيمَتي
- عَنِ الغَرْبِ، أمْ أمضِي بغَيرِ فؤادِ
- وَلَيْلَتُنَا، والرّاحُ عَجْلَى تَحُثُّها
- فُنُونُ غِنَاءٍ، للزّجَاجَةِ حَادِ
- تُدارِكُ غَيّي نَشْوَةٌ في لِقَائِهَا،
- ذَمَمْتُ لَهَا، حتّى الصّباحِ، رَشادي
- وَمَا بَلَغَ النّوْمُ المُسَامِحُ لَذّةً،
- سِوَى أرَقِي في جَبِهَا، وَسُهَادي
- عَلى بابِ قِنّسْرِينَ، واللّيْلُ لاطخٌ
- جَوَانِبَهُ، مِنْ ظُلْمَةٍ، بمِدادِ
- كأنّ القُصُورَ البِيضَ، في جَنَبَاتِهِ،
- خَضَبنَ مَشيباً، نازِلاً بِسَوَادِ
- كأنّ انْخِرَاقَ الجَوّ غَيّرَ لَوْنَهُ
- لُبُوسُ حَدِيدٍ، أوْ لِبَاسُ حِدَادِ
- كأنّ النّجومَ المُسْتَسِرّاتِ، في الدّجى،
- سِكاكُ دِلاصٍ، أوْ عُيُونُ جَرَادِ
- وَلاَ قَمَرٌ، إلاّ حُشَاشَةُ غَائِرٍ،
- كَعَينٍ طَمَاسٍ، رُنّقَتْ لِرُقَادِ
- فَبِتْنَا، وَبَاتَتْ تُمزَجُ الراحُ بَينَنا
- بأبْيَضَ رَقْرَاقِ الرُّضَابِ، بُرَادِ
- وَلَمْ نَفتَرِقْ حتّى ثَنَى الدّيكُ هاتِفاً،
- وَقَامَ المُنادي، بالصّلاةِ يُنادي
- أبَا مُسْلِمٍ! ألْقِ السّلامَ مُضَاعَفاً،
- وَرُحْ سَالِمَ القُطْرَينِ إنّيَ غَادِ
- سأشْكُرُ نُعْمَاكَ المُرَفْرِفَ ظِلُّهَا
- عَليّ، وَهَلْ أنْسَى رَبيعَ بِلادي
- وَفَيْضَ عَطَايَا ما تأمّلَ ناظِرٌ
- إلَيْهِنّ، إلاّ قَالَ فَيْضُ غَوَادِ
- وَكَمْ جَاءَتِ الأيّامُ رُسْلاً تَقُودُني
- إلى نَائِلٍ، مِنْ رَاحَتَيْكَ، مُعَادِ
- وَمَا تُنْبِتُ البَطْحَاءُ مِنْ غَيرِ وَابِلٍ،
- وَلاَ يَسْتَدِيمُ الشّكْرُ غَيرُ جَوادِ
المزيد...
العصور الأدبيه