الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> شغلان من عذل ومن تفنيد >>
قصائدالبحتري
شغلان من عذل ومن تفنيد
البحتري
- شُغْلانِ مِنْ عَذْلٍ وَمِنْ تَفْنيدِ،
- وَرَسيسُ حُبٍّ، طارِفٍ وَتَليدِ
- وَأمَا وَأرْآمِ الظّبَاءِ لَقَدْ نأتْ
- بِهَوَاكِ أرْآمُ الظّبَاءِ الغِيدِ
- طَالَعْنَ غَوْراً مِنْ تِهَامَةَ، واعتلى
- عَنهُنّ رَمْلا عَالِجٍ وَزَرُودِ
- لَمّا مَشَينَ بذي الأَراكِ تَشَابَهَتْ
- أعْطافُ قُضْبَانٍ بِهِ وَقُدُودِ
- في حُلّتَيْ حِبَرٍ، وَرَوْضٍ، فالتَقَى
- وَشْيَانِ وَشيُ رُبًى وَوَشْيُ بُرُودِ
- وَسَفَرْنَ، فامتَلأتْ عُيُونٌ رَاقَها
- وَرْدانِ وَرْدُ جَنًى وَوَرْدُ خُدُودِ
- وَضَحِكْنَ فاعتَرَفَ الأقاحي من ندًى
- غَضٍّ، وَسَلسالِ الرُّضَابِ بَرُودِ
- نَرْجُو مُقَارَبَةَ الحَبيبِ، وَدُونَهُ
- وَخْدٌ يُبَرِّحُ بالمَهَارِي القُودِ
- وَمَتَى يُساعِدُنا الوِصَالُ، وَدَهرُنا
- يَوْمانِ: يَوْمُ نَوًى ويَوْمُ صُدُودِ
- طَلَبَتْ أمِيرَ المُؤمِنينَ رِكاَبُنَا،
- مِن مَنْزِعٍ للطّالِبينَ بَعِيدِ
- فالخمس بعد الخمس يذهب عرضه
- في سيرها، والبيد بعد البيد
- نَجْلُو بِغُرّتِهِ الدّجَى، فكَأنّنا
- نَسرِي ببَدْرٍ في البَوَادي السّودِ
- حَتّى وَرَدْنَا بحره، فَتَقَطّعَتْ
- غُلَلُ الظَّمَا عَنْ بَحْرِهِ المَوْرُودِ
- في حَيثُ يُعتَصَرُ النّدَى مِن عُودِهِ،
- ويُرَى مَكانُ السّؤدَدِ المَنْشُودِ
- عَجِلٌ إلى نُجْحِ الفَعَالِ، كأنّمَا
- يُمْسِي عَلى وِتْرٍ مِنَ المَوْعُودِ
- يَعْلُو بِقَدْرٍ في القُلُوبِ مُعَظَّمٍ
- أبَداً وَعِزٍّ في النّفُوسِ جَديدِ
- في هَضْبَةِ الإسلامِ، حَيثُ تكامَلَتْ
- أنْصارُهُ مِنْ عُدّةٍ وَعَدِيدِ
- مُتَرَادِفِينَ عَلى سُرَادِقِ أغلَبٍ،
- تَعْنُو لَهُ نَظَرُ المُلُوكِ الصِّيدِ
- جَوٌّ، إذا رُكِزَ القَنَا في أرْضِهِ،
- أيْقَنْتَ أنّ الغَابَ غابُ أُسُودِ
- وإذا السّلاحُ أضَاءَ فيهِ حسبته
- بَرّاً تَألّقَ فيهِ بَحْرُ حَدِيدِ
- وَمُدَرَّبينَ عَلى اللّقاَءِ يَشُفُّهُمْ
- شَوْقٌ إلى يَوْمِ الوَغَى الموعودِ
- لَحِقَتْ خُطَاهُ الخَالِعِينَ، وأثقَبَتْ
- عَزَمَاتُهُ في الصّخْرَةِ الصَّيْخُودِ
- وَرَمَى سَوَادَ الأرمَننينَ، وَقَدْ عَدا
- في عُقْرِ دارِهِمِ قَدارُ ثَمُودِ
- فغَدَوْا حَصِيداً للسّيوفِ، تكُبّهُمْ
- أطْرَافُهُنّ، وَقَائِماً كَحَصِيدِ
- أحْيَا الحَليفَةُ جَعْفَرٌ، بِفَعَالِهِ،
- أفْعَالَ آبَاءٍ لَهُ وَجُدُودِ
- تَتَكَشّفُ الأيّامُ مِنْ أخلاقِهِ
- عَن هَدْيِ مَهْدِيٍّ، وَرُشْدِ رَشيدِ
- وَلَهُ وَرَاءَ المُذنِبِينَ، وَدُونَهُمْ،
- عَفْوٌ كَظَلّ المُزنَةِ الممْدُودِ
- وَأنَاةُ مُقتَدِرٍ تُكَفْكِفُ بأسَهُ
- وَقَفاتُ حِلْمٍ، عِندَهُ، مَوْجُودِ
- أمسَكْنَ من رَمَقِ الجَرِيحِ، وَرُمنَ أن
- يُحيِينَ مِن نَفسِ القَتِيلِ المُودي
- حَاطَ الرّعيّةَ حِينَ نَاطَ أُمُورَهَا
- بِثَلاَثَةٍ، بَكَرُوا، وُلاةِ عُهُودِ
- قُدّامَهُمْ نُورُ النّبيّ، وَخَلفَهُمْ
- هَدْيُ الإمَامِ القَائِمِ المَحْمُودِ
- لَنْ يَجهَلَ السّاري المَحَجّةَ، بعدما
- رُفِعَتْ لَنَا مِنْهُمْ بُدُورُ سُعُودِ
- كانُوا أحَقّ بعَقدِ بَيعَتِهَا ضُحًى،
- وَبِنَظْمِ لُؤلُؤِ تَاجِهَا المَعْقُودِ
- عُرِفُوا بِسِيمَاهَا، فَلَيْسَ لِمُدّعٍ
- مِنْ غَيْرِهِمْ فيهَا سِوَى الجُلْمُودِ
- فَنِيَتْ أحَاديثُ النُّفُوسِ بذِكْرِهَا،
- وأفَاقَ كُلُّ مُنَافِسٍ وَحَسُودِ
- وَاليأسُ إحدَى الرّاحَتَينِ، وَلَنْ تَرَى
- تَعَباً كَظَنّ الخَائِبِ المَكْدُودِ
- فاسْلَمْ، أمِيرَ المُؤمِنِينَ، وَلاَ تَزَلْ
- مُسْتَعْلِياً بِالنّصْرِ والتّأييدِ
- نَعْتَدُّ عِزَّكَ عِزَّ دِينِ مُحَمّدٍ،
- وَنَرَى بَقَاءَكَ مِنْ بَقَاءِ الجُودِ
المزيد...
العصور الأدبيه