الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> سقيت الغوادي من طلول وأربع >>
قصائدالبحتري
سقيت الغوادي من طلول وأربع
البحتري
- سُقيتِ الغَوادِي من طُلُولٍ وأرْبُعِ،
- وَحُيّيتِ من دارٍ لأسماءَ بَلْقَعِ
- وإنْ كُنتُ لا مَوْعُودُ أسماءَ رَاجعي
- بنُجحٍ، ولا تَسوِيفُ أسماءَ مُقنعي
- ولا نَافعٌي سَكْبُ الدّموعِ التي جَرَتْ
- َلدَيها، ولا فَرْطُ الحَنينِ المُرَجَّعِ
- فَلا وَصْلَ، إلاّ أنْ يُطِيفَ خَيالُها
- بنا تحتَ جُؤشوشٍ من اللّيلِ أسْفَعِ
- ألَمّتْ بنا، بعدَ الهدو، فَسامحَتْ
- بوَصْلٍ، متى نَطلُبْهُ في الجِدّ تَمنَعِ
- وَمَا بَرِحَتْ حتّى مَضَى اللّيلُ فانقَضَى،
- وأعجَلَهَا داعي الصّباحِ المُلَمَّعِ
- فَوَلّتْ كأنّ البَينَ يَخلِجُ شَخصَها
- أوَانَ تَوَلّتْ، من حَشايَ وأضْلُعي
- وَرُبّ لقَاءٍ لمْ يُؤمَّلْ، وفُرْقَةٍ
- لأسْمَاءَ لمْ تُحْذَرْ، وَلَمْ تُتَوَقّعِ
- أرَانيَ لا أنْفَكُّ في كلّ لَيْلَةٍ
- تُعَاوِدُ فيها المَالكيّةُ مَضْجَعي
- أُسَرُّ بقُرْبٍ منْ مُلِمٍّ مُسَلِّمٍ،
- وأُشجَى ببَينٍ منْ حَبيبٍ مُوَدِّعِ
- فكَأْيِنْ لَنَا بَعْدَ النّوَى منْ تَفَرّقٍ
- تُزَجّيهِ أحلامُ الكَرَى، وَتَجَمُّعِ
- وَمِنْ لَوْعَةٍ تَعْتَادُ في إثْرِ لَوْعَةٍ،
- وَمن أدمُعٍ تَرْفَضُّ في إثرِ أدْمُعِ
- فَهَلاّ جَزَى أهلُ الحمى فَيضَ عبرَتي،
- وَشَوْقِي إلى أهلِ الحمَى، وَتَطَلُّعِي
- سَيَحْملُ هَمّي عن قَريبٍ، وهمّتي
- قَرَا كُلِّ ذَيّالٍ جُلالٍ جَلَنْفَعِ
- يُناهِبْنَ أجْوَازَ الفَيَافي بأرْجُلٍ
- عِجَالٍ، إلى طَيّ الفَيَافي، وأذْرُعِ
- متى تَبلُغِ الفَتحَ بنَ خَاقَانَ لا تُنِخْ
- بضَنْكٍ، وَلاَ تَفزَعْ إلى غَيْرِ مَفزَع
- حَليفُ ندًى، إن سيل فَاضَتْ حياضه
- وَذُو كَرَمٍ، إلاّ يُسَلْ يَتَبَرّعِ
- تُؤمَّلُ نُعْمَاهُ، وَيُرجَى نَوَالُهُ
- لَعَانٍ ضَريكٍ، أوْ لُعَافٍ مُدَقَّعِ
- وَيَبْتَدِرُ الرّاءونَ منهُ، إذا بَدَا،
- سَنَا قَمَرٍ من سُدّةِ المِلْكِ مُطلَعِ
- إذا مَا مَشَى بَينَ الصّفُوفِ تَقَاصرَتْ
- رُؤوسُ الرّجالِ عن طُوَالٍ سَمَيْذَعِ
- يَقُومُونَ من بُعدٍ، إذا بَصُرُوا بهِ،
- لأبْلَجَ مَوْفُورِ الجَلاَلَةِ، أرْوَعِ
- وَيَدعُونَ بالأسماءِ مَثنًى وَمَوْحَدا
- إذا حَضَرُوا بابَ الرِّوَاقِ المُرَفَّعِ
- إذا سارَ كُفّ اللّحظُ عن كلّ مَنظَرٍ
- سواهُ وَغُضّ الصّوْتُ عن كلّ مَسمعِ
- فَلَسْتَ تَرَى إلاّ إفاضَةَ شاخصٍ
- إلَيهِ بعَينٍ، أو مُشِيرٍ بإصْبَعِ
- مُرَاعٍ لأوْقاتِ المَعالي مَتَى يَلُحْ
- لَهُ شَرَفٌ يُوجِفْ إلَيهِ، فيُوضِعِ
- عَفُوٌّ عَنِ الجانينَ حتّى يَرُدّهُمْ
- إلَيهِ، وَإلاّ يَعْفُ يأخُذْ، فيُسرِعِ
- عَليمٌ بتَصريفِ اللّيالي، كأنّه
- يُعاني صُرُوفَ الدّهرِ من عَهْدِ تُبّعِ
- حَلِيمٌ، فإنْ يُبلَ الجَهُولُ بحقْدِهِ
- يَبتْ جارَ رأسِ الحَيّةِ المُتَطَلّعِ
- وَلاَ يَبْتَدِي بالحَرْبِ أو يُبْتَدَى بِهَا،
- وَقُورُ الأنَاةِ أرْيَحيُّ التّسَرّعِ
- وَقَدْ آيَسَ الأعداءَ مَحْكُ مُضَاجِرٍ
- لَجُوجٍ، متى يَحْزُزْ بكَفّيهِ يَقطَعِ
- طَلُوبٍ لأقْصَى الأمرِ حتّى يَنَالَهُ،
- وَمُغْرًى بغاياتِ الحَقَائِقِ، مُولَعِ
- وَقُلْتُ لمَغْرُورٍ بهِ حَانَ وارْتَمَتْ
- بهِ مُطْمِعَاتُ الحَينِ في غَيْرِ مَطمَعِ
- ترَكتَ اقتبالَ العَفْوِ،والعَفْوُ مُعرِضٌ،
- إذ السّلْمُ باقٍ، والقُوَى لم تُقَطَّعِ
- أفالآنَ حَاوَلْتَ الرّضَا بَعدَمَا مَضَتْ
- عزِيمَةُ غَضْبَانٍ على الشّرّ مُجمِعِ؟
- إذا بَدَرَتْ منهُ العَزِيمَةُ لم يَقفْ،
- وإنْ جَازَ عَنْهُ الأمرُ لم يَتَتَبّعِ
- هَجُومٌ عَلى الأعداءِ من كلّ وِجهَةٍ
- إذا هَجهَجُوا في وَجهِ لمْ يُرَوَّعِ
- أمينُ بني العَبّاسِ في سرّ أمرِهِمْ،
- وَعُدّتُهُمْ للخَالِعِ المُتَمَنِّعِ
- فَما هُوَ بالسّهلِ الشّكيمةِ دونَهُمْ،
- ولا فيهِمِ بالمُدْهِنِ، المُتَصَنِّعِ
- وَيُرْضِيكَ مِن وَالي الأعِنّةِ كَرُّهُ
- وإقْدامُهُ في المأزِقِ المُتَشَنَّعِ
- لَهُ الأثَرُ المَحمُودُ في كلّ مَوْقِفٍ،
- وَفَصْلُ الخطابِ الثّبتِ في كلّ مَجمعِ
- لكَ الخَيرُ: إنّي لاحقُ بكَ فاتّئِدْ
- عَليّ، وإنّي قائِلٌ لكَ، فاسمَعِ
- مَكَانيَ مِنْ نُعْمَاكَ غَيْرُ مُؤخَّرٍ،
- وَحَظّيَ مِنْ جَدْوَاكَ غَيْرُ مُضَيَّعِ
- وإنّي، وإنْ أبلَغْتَني شَرَفَ العُلا،
- وأعتَقْتَ من ذل المَطامِعِ أخدَعي
- فَما أنَا بالمَغضُوضِ عَمّا أتَيْتَهُ
- إليّ، ولا المَوْضُوعِ في غَيرِ مَوْضِعي
- وَقَدْ نافَستَني عُصْبَةٌ مِنْ مُقَصِّرٍ،
- وَمُنْتَحِلٍ ما لم يَقُلْهُ وَمُدّعِ
- إذا ما ابتَدَرْنا غايَةً جِئْتَ سَابِقاً،
- وَجاءوا على آثار حَسرَى وَظُلَّعِ
- فَلا تُلْحِقَنْ بي مَعشَراً لم يُؤمّلُوا
- لَحَاقي، ولم يَجرُوا إلى أمَدٍ مَعِي
المزيد...
العصور الأدبيه