الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> سرى من خيال المالكية ما سرى >>
قصائدالبحتري
سرى من خيال المالكية ما سرى
البحتري
- سرَى من خَيالِ المالكِيّةِ ما سَرَى،
- فَتَيّمَ ذا القَلْبِ المُعَنّى، وَأسهَرَا
- دُنُوٌّ بأحْلامِ الكَرَى منْ بعِيدةٍ،
- تُسيءُ بنا فِعْلاً، وَتَحسُنُ منظَرَا
- وَما قَرُبَتْ بالطّيْفِ إلاّ لتنْتَوي،
- وَلا وَصَلَتْ في النّوم إلاّ لتَهْجُرَا
- لقدْ منعتْ والمنعُ منْها سَجِيّةٌ،
- وَلَوْ وَصَلَتْ كانتْ على الوْصْل أقدرَا
- تعَذّرَ منها الوَصْلُ وَالوَصْلُ مُمكِنٌ،
- وَقَصْرُ نَوَالِ البِيضِ أن يتعذّرَا
- فَلْو شاءَ هذا القلْبُ في أوّل الصّبا،
- لَقَصّرَ عنْ بعضِ الصبا، أو لأقصرَا
- وَلكِنّ وَجْداً لمْ أجِدْ منهُ موْئِلاً،
- وَمَوْرِدَ حُبٍّ لم أجِدْ عنهُ مصْدرَا
- هَوَىً، كان غَضّاً بيْنَنَا مُتَقَدَّماً،
- كما صَابَ وَسمِيُّ الغَمامِ، فبَكّرَا
- نَظَرْتُ، وَضَمّتْ جانِبَيّ الْتفاتَةٌ،
- وَما التَفَتَ المُشْتاقُ إلاّ لينْظُرَا
- إلى أُرْجُوَانِيٍ مِنَ البَرْقِ، كُلّما
- تَنَمّرَ عُلْوِيُّ السّحَابِ تَعَصْفَرَا
- يُضيءُ غَماماً فَوْقَ بَطْياسَ وَاضِحاً
- يَبُصّ، وَرَوضاً دون بَطْياسَ أخْضَرَا
- وَقَدْ كانَ محْبُوباً إليّ لَوَ أنّهُ
- أضَاءَ غَزَالاً عِندَ بَطْياسَ أحْوَرَا
- لَقَدْ أُعْطِيَ المُعْتَزُّ بالله نِعْمَةً
- منَ الله، جلّتْ أن تُحَدّ وَتُقدَرَا
- تَلافَى بهِ الله الوَرَى مِنْ عظيمَةٍ،
- أناخَتْ على الإسلامِ، حَوْلاً وَأشهُرَا
- وَمنْ فتْنَةٍ شَعْوَاءَ غَطّى ظلامُها
- على الأفْقِ، حتى عادَ أقتَمَ أكْدرَا
- أغَرُّ مِنَ الأمْلاكِ، إمّا رَأيْتَهُ
- رَأيْتَ أبا إسْحاقَ، وَالقرْمُ جَعفرَا
- أُعِينَ بِأسْيافِ المَوَالي وَصَبْرِهِمْ
- على المَوْتِ، لمّا كافحوا الموْتَ أحمرَا
- تَقَدّمَ في حقّ الخلافَةِ سَهْمُهُ،
- إذا رَدّ فيها غَيرَهُ، فَتَأخّرَا
- وَيُصْبحُ معروفاً لهُ الفضْلُ دونَهُمْ،
- وَما يَتَداعَاهُ الأباعِدُ مُنْكَرَا
- أقامَ منارَ الحقّ، حتى اهتدَى بهِ،
- وَأبْصَرَهُ مَنْ لمْ يكُنْ قطّ أبْصَرَا
- وعادَتْ على الدّنْيا عوائِدُ فضْلِهِ،
- فأقْبَلَ منْها كلُّ ما كانَ أدْبَرَا
- بحِلْمٍ كأنّ الأرْضَ منْهُ توَقّرَتْ،
- وَجُودٍ كأنّ البَحْرَ منْهُ تَفَجّرَا
- عَمَرْتَ، أمِيرَ المُؤمِنينَ، مُسَلماً،
- فَعُمْرُ النّدَى وَالجودِ في أن تُعمَّرَا
- وَلَيْسَ يُحاطُ المجْدُ وَالحمدُ وَالعلا
- بأجْمَعِها، حَتى تُحاطَ وَتُنصَرَا
- كرمت فكان القطر أدنى مسافة
- وأضيق باعا من نداك وأقصرا
- وَلمّا تَوَلّيْتَ الرّعِيّةَ، مُحْسِناً،
- مَنَعْتَ أقاصي سِرْبهِا أن تُنَفّرَا
- جَرَيْتَ، وكان القُطْرُ أدْنى مسافةً،
- وأضْيَقَ باعاً منْ نَداكَ وأقْصَرَا
- نَهَضْتَ بِأعْبَاءِ الخِلافَةِ كافِياً،
- وما زلت مرجوا لها منتظراً
- فلمْ تَسْعَ فيها إذ سعَيْتَ مُثبَّطاً،
- وَلمْ ترْمِ عَنْها إذْ رَمَيْتَ مُقصِّرَا
- وَما زلْتَ إن سالَمْتَ كنتَ مُوَفَّقاً
- رَشيداً، وَإن حارَبْتَ كُنتَ مظَفّرَا
- لَئِنْ فُتَّ غاياتِ الأئِمّةِ سَابِقاً،
- فطُلْتَ المُلوكَ سائِساً وَمُدبِّرَا
- فَلا عَجَبٌ في أنْ يغِيضُوا وَتَعتلي،
- ولا مُنْكَرٌ في أنْ يَقِلّوا وَتَكثُرَا
- وَقَدْ تَرَكَ العبّاسُ عِندَكَ وَابْنُهُ
- عُلا طلْنَ مرْمى النجمِ حيْثُ تحَيّرَا
- هُما وَرّثاكَ ذا الفَقارِ، وَصَيّرَا
- إليْكَ القَضِيبَ وَالرّداءَ المُحَبَّرَا
- فَأيُّ سَناءٍ لَسْتَ أهْلاً لِفَضْلِهِ،
- وَأوْلى بهِ منْ كلّ حيٍّ وَأجْدَرَا
- وَأنْتَ ابنُ مَن أسقى الحجيجَ على الظما،
- وَناشَدَ في المَحلِ السحابَ فأمْطَرَا
المزيد...
العصور الأدبيه