قصائدالبحتري



زعم الغراب منبىء الأنباء
البحتري



  • زَعَمَ الغُرَابُ مُنَبّىءُ الأنْبَاءِ،

  • أنّ الأحِبّةَ آذَنُوا بِتَنَاءِ

  • فاثلِجْ بِبَرْدِ الدّمعِ صَدراً وَاغراً،

  • وَجوَانِحاً مَسْجُورَةَ الرّمْضَاءِ

  • لا تَأمُرَنّي بالعَزَاءِ، وَقَدْ ترَى

  • أثَرَ الخَلِيطِ، ولاتَ حِينَ عَزَاءِ

  • قَصَرَ الفِرَاقُ عن السّلُوّ عَزِيمَتي،

  • وَأطالَ في تِلْكَ الرّسومِ بُكائي

  • زِدْني اشْتِياقاً بالمُدامِ، وَغَنّني،

  • أعْزِزْ عَليّ بِفُرْقَةِ القُرَنَاءِ

  • فَلَعَلّني ألْقى الرّدى، فَيُريحَني،

  • عَمّا قَلِيلٍ، منْ جَوى البُرَحاءِ

  • أخَذَتْ ظُهُورُ الصّالِحِيّةِ زِينَةً

  • عَجَباً مِنَ الصّفْرَاءِ والحَمْرَاء

  • نَسَجَ الرّبيعُ لِرَبْعِها دِيبَاجَةً،

  • مِنْ جَوْهَرِ الأنْوَارِ بالأنْوَاءِ

  • بَكَتِ السّماءُ بِها رَذَاذَ دُموعِها،

  • فَغَدَتْ تَبَسَّمُ عن نُجُومِ سَمَاءِ

  • في حُلّةٍ خَضْرَاءَ نَمْنَمَ وَشيَها

  • حَوْكُ الرّبِيعِ، وَحِلَةٍ صَفْرَاءِ

  • فاشْرَبْ على زَهرِ الرّياضِ يَشوبُهُ

  • زَهْرُ الخُدودِ، وَزَهرَةُ الصّهباءِ

  • مِنْ قَهْوَةٍ تُنْسي الهُومَ وَتبعَثُ الـ

  • ـشّوْقَ الّذي قدْ ضَلّ في الأحْشَاءِ

  • يُخْفي الزّجاجَةَ لَوْنُها، فَكَأنّهَا

  • في الكَفِّ قائِمَةٌ بغَيرِ إناءِ

  • وَلهَا نَسيمٌ كالرّياضِ، تنَفّسَتْ

  • في أوْجُهِ الأرْوَاحِ، وَالأنْداءِ

  • وَفَوَاقِعٌ مِثلُ الدّموعِ، ترَدّدَتْ

  • في صَحْنِ خَدّ الكاعِبِ الحسْناءَ

  • يَسْقِيكَها رَشَأٌ يَكادُ يرُدّهَا

  • سَكرَى بِفَتْرَةِ مُقْلَةٍ حَوْرَاءِ

  • يَسْعَى بها، وَبِمثِلِها مِنْ طَرْفِهِ،

  • عَوْداً وَأبْداءً على النُّدَماءِ

  • مَا للجَزِيرَةِ وَالشّآمِ تَبَدّلا،

  • بَعْدَ يابنِ يوسَفُ، ظُلْمةً بيضَاءِ

  • نضب الفُرَاتُ، وكان بحْراً زاخِراً،

  • وَاسْوَدّ وَجْهُ الرَّقّةِ البَيْضَاءِ

  • وَلَقَدْ تَرَى بأبي سَعِيدٍ مَرّةً

  • مَلْقَى الرّحالِ، وَمَوْسِمَ الشّعَرَاءِ

  • إذْ قَيْظُها مِثْلُ الرّبِيعِ، وَلَيْلُها

  • مِثْلُ النّهارِ، يُخالُ رَأدَ ضُحاءِ

  • رَحَل الأميرُ مُحمّدٌ، فَتَرَحّلَتْ

  • عَنهّا غَضَارَةُ هَذِهِ النّعْمَاءِ

  • وَالدّهْرُ ذُو دُولٍ، تَنَقَّلُ في الوَرَى

  • أيّامُهُنّ تَنَقُّلَ الأفْيَاءِ

  • إنّ الأمِيرَ مُحَمّداً لمُهَذَّبُ الْـ

  • ـإفْعَالِ في السّرَاءِ والضّرّاءِ

  • مَلِكٌ، إذا غشِيَ السّيوفَ بوَجْهِهِ،

  • غَشِيَ الحِمامُ بِأنْفُسِ الأعْدَاءِ

  • قُسِمَتْ يَداهُ بِبَأسِهِ وَسَمَاحِهِ

  • في نّاسِ، قِسْمَيْ شِدّةٍ وَرَخاءِ

  • مُلِئَتْ قُلوبُ العَالَمِينَ بفِعْلِهِ الْـ

  • ـمَحْمودِ مِنْ خَوْفٍ لَهُ وَرَجاءِ

  • أغْنى جماعَةَ طَيّءٍ عمّا ابْتَنَتْ

  • آباؤهَا القُدَمَاءُ لِلأبْنَاءِ

  • فَإذا هُمُ افْتَخَرُوا بِهِ لمْ يبَجحوا

  • بِقَديمِ مَا ودِثُوا منَ العَلْياءِ

  • صَعِدُوا جِبالاً مِنْ عُلاكَ، كأنّها

  • هَضَباتُ قُدْسَ، وَيذْبُلٍ، وَحرَاءِ

  • واستمطروُا في المحْلِ منكَ خَلائِقاً،

  • أصْفَى وَأعْذَبَ منْ زُلالِ الماءِ

  • وَضَمِنْتَ ثأرَ مُحَمّدٍ لهُمُ عَلى

  • كَلَب العدَى، وَتَخاذُل الأحْيَاءِ

  • ما انْفَكّ سَيْفُكَ غادِياً، أوْ رَائِحاً

  • في حَصْدِ هامَاتٍ، وَسفْكِ دماءِ

  • حَتّى كفيتَهُمُ الذي استكْفَوْكَ مِنْ

  • أمْرِ العِدَى، وَوَفَيْتَ أيّ وَفاءِ

  • ما زلْتَ تَقْرَعُ بابَ بابَكَ بالقَنَا،

  • وَتَزُورُهُ في غَارَةٍ شَعْوَاءِ

  • حَتى أخذْتَ بنصْلِ سيْفكَ عَنوَةً،

  • مِنْهُ الّذي أعْيا عَلى الحلفاء

  • أخْلَيْتَ مِنْهُ البَذّ، وَهيَ قَرَارُهُ،

  • وَنَصَبْتَهُ عَلَماً بِسامِرَاءِ

  • لمْ يُبْقِ منهُ خَوْفُ بَأسِكَ مَطَعماً

  • للطّيْرِ في عَوْدٍ، وَلا إبْدَاءِ

  • فَتَرَاهُ مُطَّرِداً عَلى أعوَادِهِ،

  • مِثْلَ اطّرَادِ كَواكبِ الجَوْزَاءِ

  • مُسْتَشْرِفاً للشمسِ، مُنْتصِباً لهَا،

  • في أُخْرَياتِ الجِذْعِ كالحِرْباءِ

  • وَوَصَلْتَ أرْضَ الرّومِ وَصْلَ كُثَيّرٍ

  • أطْلالَ عَزّةَ، في لِوَى تَيْماءِ

  • في كُلّ يَوْمٍ قَدْ نَتَجْتَ مَنِيّةً

  • لِحُماتِها، مِنْ حَرْبِكَ العُشَرَاءِ

  • سَهّلْتَ مِنها وَعْرَ كُلّ حُزُونَةٍ،

  • وَمَلأتَ مِنْها عَرْضَ كلّ فضَاءِ

  • بالخَيل تحمِلُ كلَّ أشعثَ دارِعٍ،

  • وَتُوَاصِلُ الإدْلاجَ بالإسْرَاءِ

  • وَعَصَائِبٍ يَتَهافتُونَ، إذا ارْتَمَى

  • بهِمِ الوَغَى في غَمْرَةِ الهَيْجاءِ

  • مِثْلَ اليَرَاعِ بَدَتْ لهُ

  • لَفّتْهُ ظُلْمَةُ لَيْلَةٍ لَيْلاءِ

  • يَمْشُونَ في زَغَفٍ، كأنّ مُتونَها،

  • في كُلّ مَعْرَكَةٍ، مُتونُ نِهاءِ

  • بِيضٌ تَسيلُ، على الكُماةِ، فُضُولُها

  • سَيْلَ السّرَابِ بِقَفْرَةٍ بيْداءِ

  • فإذا الأسِنّةُ خَالَطَتْها خِلْتَها

  • فِيهَا خَيَالُ كَوَاكبٍ في ماءِ

  • أبْنَاءُ مَوْتٍ يَطْرَقونَ نُفوسَهُمْ

  • تحْتَ المَنَايًّا، كُلَّ يوْمِ لِقَاءِ

  • في عارِضِ يَدِقُ الرّدَى ألهَبْتَهُ

  • بِصَوَاعِقِ العَزَمَاتِ وَالآرَاءِ

  • أشلى على منوِيلَ أطرَافَ القنا،

  • فنجا عتيقَ عتيقَةٍ جَرْداءِ

  • وَلَوَ أنّهُ أبْطَأ لَهُنّ، هُنيهّةً،

  • لَصَدَرْنَ عنْهُ، وَهُنّ غَيرُ ظِماءِ

  • فَلَئِنْ تَبقَاهُ القَضَاءُ لوَقْتِهِ

  • فَلَقَدْ عَمَمْتَ جُنودَهُ بِفَناءِ

  • أثْكَلْتَهُ أشْياعَهُ، وَتَرَكْتَهُ

  • لِلْموْتِ مُرْتَقِباً صَباحَ مَسَاءِ

  • حَتّى لَوِ ارْتَشَفَ الحديدَ، أذابَهُ

  • بالْوَقْدِ مِنْ أنْفاسِهِ الصُّعَدَاءِ



أعمال أخرى البحتري



المزيد...

العصور الأدبيه



أهم 12 نصيحه عند شراء شقتك بالتقسيط