الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> رحلوا فأية عبرة لم تسكب >>
قصائدالبحتري
رحلوا فأية عبرة لم تسكب
البحتري
- رَحَلُوا فَأيّةُ عَبرَةٍ لَمْ تُسْكَبِ
- أسَفاً، وَأيُّ عَزِيمَةٍ لَمْ تُغْلَبِ
- قَدْ بَيّنَ البَينُ المُفَرِّقُ بَيْنَنَا
- عِشْقَ النّوَى لرَبيبِ ذاكَ الرّبرَبِ
- صَدَقَ الغُرَابُ لقد رَأيتُ شُموسَهمْ
- بالأمسِ، تَغرُبُ في جَوَانِبِ غُرَّبِ
- لَوْ كُنتَ شاهدَنا وَمَا صَنَعَ الهَوَى
- بقُلُوبِنَا، لحَسَدْتَ مَنْ لم يُحبِبِ
- شُغلَ الرّقيبُ، وَأسْعَدَتْنَا خَلْوَةٌ
- في هَجرِ هَجرٍ، وَاجتِنابِ تجَنّبِ
- فتَلَجلَجتْ عَبَرَاتُهَا، ثمّ انْبَرَتْ
- تَصِفُ الهَوَى بلِسانِ دَمعٍ مُعْرِبِ
- تَشْكُو الفِرَاقِ إلى قَتيلِ صَبَابَةٍ،
- شَرِقِ المَدامعِ، بالفرَاقِ مُعَذَّبِ
- أأُطيعُ فيكِ العاذِلاتِ، وَكُسْوَتي
- وَرَقُ الشّبابِ، وَشِرّتي لم تَذْهَبِ
- وَإذا التَفَتُّ إلى سِنيَّ رَأيْتُهَا
- كمَجَرّ حَبْلِ الخالِعِ المُتَصَعِّبِ
- عِشرُونَ قَصّرَها الصّبَا، وَأطَالَهَا
- وَلَعُ العِتَابِ بِهَائِمٍ لَمْ يَعتَبِ
- مَا لي وَللأيّامِ صَرّفَ صَرْفُهَا
- حَالي، وَأكْثَرَ في البِلادِ تَقَلُّبي
- أُمْسِي زَميلاً للظّلامِ، وَأغْتَدِي
- رِدْفاً عَلى كَفَلِ الصّبَاحِ الأشهَبِ
- فأكونُ طَوْراً مَشرِقاً للمَشرِقِ الـ
- ـأقْصَى، وَطَوْراً مَغرِباً للمَغْرِبِ
- وَإذا الزّمانُ كَسَاكَ حُلّةَ مُعدَمٍ،
- فالبَسْ لهَ حُلَلَ النّوَى وَتَغَرَّبِ
- وَلَقَدْ أبِيتُ مَعَ الكَوَاكبِ رَاكِباً
- أعْجازَهَا بِعَزِيمَةٍ كالكَوْكَبِ
- وَاللّيْلُ في لَوْنِ الغُرَابِ، كأنّهُ
- هُوَ في حُلُوكَتِهِ، وَإنْ لم يَنْعَبِ
- وَالعيسُ تَنصُلُ من دُجاهُ، كما انجلَى
- صِبْغُ الشّبابِ عن القَذالِ الأشيَبِ
- حتّى تَجَلّى الصّبْحُ، في جَنَباتِهِ،
- كالمَاءِ يَلمَعُ مِنْ وَرَاءِ الطُّحْلُبِ
- يَطْلُبْنَ مُجتَمَعَ العُلا مِنْ وَائلٍ،
- في ذلكَ الأصْلِ الزّكيّ، الأطْيَبِ
- وَبَقيّةَ العَرَبِ الّذي شَهِدَتْ لَهُ
- أبْنَاءُ إدٍّ بالفَخَارِ، وَيَعْرُبِ
- بالرّحْبَةِ الخَضرَاءِ ذاتِ المَنْهَلِ الـ
- ـعَذْبِ المَشَارِبِ، وَالجَنابِ المُعشِبِ
- عَطَنُ الوُفُودِ، فمُنجِدٌ، أوْ مُتهِمٌ،
- أوْ وافِدٌ مِنْ مَشرِقٍ، أوْ مَغرِبِ
- ألْقَوْا بجَانِبِهَا العِصِيّ، وَعَوّلوا
- فيها عَلى مَلْكٍ أغر، مُهَذَّبِ
- مَلِكٌ لَهُ في كلّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ
- إقْدامُ غر وَاعتِزَامُ مُجَرَّبِ
- وَتَرَاهُ في ظُلَمِ الوَغَى، فتَخالُهُ
- قَمَرً يَكر عَلى الرّجالِ بكَوْكَبِ
- يا مَالِكُ ابنُ المَالكِيّينَ الأُلى،
- مَا للمَكَارِمِ عَنْهُمُ مِنْ مَذهَبِ
- إني أتيتك طالباً فبسطت من
- أملي، وأنجح جود كفك مطلبي
- فَشَبِعْتُ مِنْ بِرٍّ لَدَيكَ وَنَائِلٍ،
- وَرَوِيتُ من أهْلٍ لَدَيكَ وَمَرْحَبِ
- وَغَدَوْتَ خَيرَ حِيَاطَةٍ منّي علَى
- نَفسِي، وَأرْأفَ بي هُنالكَ مِنْ أبي
- أعْطَيْتَني، حتّى حَسِبتُ جزِيلَ ما
- أعْطَيْتَنيهِ وَدِيعَةً لَمْ تُوهَبِ
- فَلْتَشكُرَنّكَ مَذْحِجُ ابنَةُ مَذحِجٍ،
- مِنْ آلِ غَوْثِ الأكثرِينَ وَجُندُبِ
- وَمَتى تُغَالِبْ في المَكَارِمِ وَالنّدَى
- بالتّغْلِبِيّينَ الأكَارِمِ تَغْلِبِ
- قَوْمٌ، إذا قيلَ النَّجاءُ، فَما لهُمْ
- غَيرُ الحَفائظِ، وَالرّدى مِنْ مَهرَبِ
- يَمشونَ تحتَ ظُبَا السّيوفِ إلى الوغى
- مَشْيَ العِطاشِ إلى بَرُودِ المَشرَبِ
- يَتَرَاكَمونَ على الأسِنّةِ في الوَغَى،
- كالصّبحِ فاضَ على نجومِ الغَيهَبِ
- يُنسيكَ جُودَ الغَيثِ جُودُهمُ، إذا
- عَثَرَتْ أكُفُّهُمُ بِعَامٍ مُجدِبِ
- حتّى لَوَ انّ الجُودَ خُيّرَ في الوَرَى
- نَسَباً، لأصْبَحَ يَنتَمي في تَغلِبِ
المزيد...
العصور الأدبيه