الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> خيال ملم أو حبيب مسلم >>
قصائدالبحتري
خيال ملم أو حبيب مسلم
البحتري
- خيَالٌ مُلِمٌّ، أو حَبيبٌ مُسَلِّمُ،
- وَبَرْقٌ تَجَلّى، أَم حَرِيقٌ مُضَرَّمُ
- لَعَمْرِي، لقد تامتْ فُؤادَكَ تَكتُمُ،
- وَرَدّتْ لكَ العِرْفَانَ، وهوَ تَوَهُّمُ
- تَعُودُكَ مِنها، كُلّما اشتَقتَ، ذَكرَةٌ
- تَرَقرَقُ مِنها عَبرَةٌ، ثمّ تَسْجُمُ
- إذا شِئتُ أجرَتْ أدمُعي، من شؤونها،
- رُبُوعٌ لهَا بالأبْرَقَينِ، وأرْسُمُ
- وَقَفْتُ بها، والرّكبُ شتّى سَبيلُهُمْ،
- يَفيضُونَ، مِنْهُمْ: عاذِرُونَ وَلُوَّمُ
- هيَ الدّارُ، إلاّ أنّها لا تُكَلِّمُ،
- عَفا مَعلَمٌ مِنْها، وأقْفَرَ مَعلَمُ
- تُقَيّضُ لي من حيثُ لا أعلَمُ النّوَى،
- وَيَسْرِي إليّ الشّوْقُ من حَيثُ أعلَمُ
- وإنّي لَمَوْقُوفُ الضّلُوعِ على هَوَى
- مُبَتَّلَةٍ، تَنْأى ضِِرَاراً وَتَصْرِمُ
- خَلَتْ، وَرأتْني مُغرَماً، فَتَجَنّبتْ،
- وَشَتّانَ في حُبٍّ خَليٌّ وَمُغْرَمُ
- حَلَفتُ بِما حَجّتْ قُرَيشٌ، وَحجّبتْ،
- وَحازَ المُصَلّى، والحَطيمُ، وَزَمْزَمُ
- وأهلِ مِنى إذْ جاوَزُوا الخَيفَ من منى،
- وَهُمْ عُصَبٌ فَوْضَى: مُحِلٌّ وَمُحرِمُ
- يَهِلّونَ من حيثُ ابتَدا الصّبحُ يَرْتَقي
- سَناهُ إلى حَيثُ انتَهى اللّيلُ يُظلِمُ
- لقَد جَشَمَ الفَتحُ بنُ خَاقَانَ خِطّةً
- منَ المَجْدِ ما يَسطيعُها المُتَجَشِّمُ
- يَبيتُ المُضَاهي فاترَ الطَّرْفِ دُونَها،
- وَيَعجِزُ عَنْها المُقْتَدِي المُتَعَلّمُ
- متى تَلْقَهُ تَلْقَ المكَارِمَ والنّدَى،
- وَبَعضُهُمُ في الفَرْطِ والحِينِ يُكرِمُ
- وَمَا هذِهِ الأخلاقُ إلاّ مَواهِبٌ،
- وإلاّ حُظُوظٌ، في الرّجالِ، تُقَسَّمُ
- تَحَمّلَ أعْبَاءَ المَعَالي بأسْرِها،
- إذا حُطّ مِنها مَغرَمٌ عَادَ مَغرَمُ
- وَقَامَ بِما لوْ قامَ رَضْوَى ببَعْضِهِ
- هوَى الهضْبُ من أركانِ رَضْوَى الململَمُ
- حُسامُ أمِيرِ المؤمنينَ الذي بِهِ
- يُعَالِجُ أدوَاءُ الأَعادِي ، فتُحسَمُ
- وَمَا هَزَّهُ إلاّ تَقَرّرَ عِنْدَهُ،
- قَرَارَ اليَقِينِ، أيُّ سَيْفَيْهِ أصْرَمُ
- أمَدُّ الرّجالِ لُبْثَةً حينَ يَرْتإي،
- وأسرَعُهُمْ إمضَاءَةً حينَ يَعزِمُ
- بتَسديدِهِ تُلغَى الأُمُورُ، وَتُجْتَبَى،
- وَتُنْقَضُ أسبابُ الخُطوبِ، وتُبرَمُ
- رَبَا في حُجُورِ المُلْكِ يُغريهِ بالحِجَى
- خَلائِفُ مِنهُمْ مُرْشِدٌ، وَمُقَوِّمُ
- فآضَ كَمَا آضَ الحُسَامُ تَرَافَدَتْ
- عَلَيْهِ القُيُونُ، فهوَ أبيضُ مِخْذَمُ
- مُدَبِّرُ مُلْكٍ أيُّ رَأيَيْهِ صَارَعُوا
- بهِ الخَطبَ رُدّ الخطبُ يُدمى وَيُكلَمُ
- وَظَلاّمُ أعْداءٍ، إذا بُدىءَ اعتدَى
- بمُوجِزَةٍ يَرْفَضُّ من وَقعِها الدّمُ
- وَقُورٌ، يَرُدُّ العَفوُ فَرْطَ شَذاتِهِ،
- وفي القَومِ أشتاتٌ: مُلِيمٌ وَمُجرِمُ
- مَلِيًّ بأنْ يَغشَى الكَميَّ، وَدُونَهُ
- ظُبًا تَتَثَنّى، أو قَناً تَتَحَطّمُ
- وَلَوْ بَلَغَ الجَاني أقاصِيَ حِلْمِهِ،
- لأعقَبَ بَعدَ الحِلْمِ مِنْهُ التّحَلّمُ
- أرَى المَكرُماتِ استُهلِكَتْ في مَعَاشِرٍ،
- وبادَتْ كَما بادَتْ جَدِيسٌ وَجُرْهُمُ
- أرَاحُوا مَطاياهُمْ، فَلا الحَمْدُ يُبتَغَى،
- وَلا المجْدُ يُستَبقى، ولا المَالُ يُهضَمُ
- فأُقسِمُ لَوْلا جُودُ كَفّيكَ لم يَكُنْ
- نَوَالٌ، ولا ذِكْرٌ من الجُودِ يُعلَمُ
- وَما البَذْلُ بالشّيْءِ الذي يَسْتَطِيعُهُ
- منَ القَّوْم، إلاّ الأرْوَعُ المُتَهَجِّمُ
- وَيُحجِمُ أحْياناً عنِ الجُودِ بعضُ من
- تَراهُ على مَكرُوهةِ السّيفِ يُقْدِمُ
- إلَيكَ القَوافي نازِعَاتٌ، قَوَاصِداً
- يُسَيَّرُ ضَاحي وَشْيِهَا، وَيُنَمْنَمُ
- وَمُشرِقَةٍ في النّظمِ غَرّا، يَزِيدُها
- بَهَاءً وَحُسناً، إنّها لَكَ تُنظَمُ
- ضَوَامِنُ للحاجاتِ، إمّا شَوَافِعاً
- مُشَفَّعَةً، أوْ حاكمَاتٍ تُحَكَّمُ
- وكأْيِنْ غَدَتْ لي، وَهْيَ شِعرٌ مُسَيَّرٌ،
- وَرَاحَتْ عَليّ، وَهْيَ مالٌ مُقَسَّمُ
المزيد...
العصور الأدبيه