الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> حلفت لها بالله يوم التفرق >>
قصائدالبحتري
حلفت لها بالله يوم التفرق
البحتري
- حَلَفْتُ لهَا بالله، يَوْمَ التّفَرّقِ،
- وَبالوَجْدِ مِنْ قَلبي بِها المُتَعَلِّقِ
- وَبالعَهْدِ ما البَذْلُ القَليلُ بضَائعٍ
- لَدَيّ، ولا العَهدُ القَديمُ بمُخلِقِ
- وأبثَثْتُها شكوَى أبانَتْ عنِ الجَوَى،
- وَدَمعاً متَىَ يَشهَدْ بِبَثٍّ يُصَدَّقِ
- وَإنّي لأخشاها عَليّ، إذا بَنتْ،
- وَأخشَى عَلَيْهَا الكاشِحِينَ وأتّقي
- وإنّي، وإنْ ضَنّتْ عليّ بِوُدّها،
- لأرْتَاحُ مِنْهَا للخَيَالِ المُؤرِّقِ
- يَعزُّ عَلَى الوَاشِينَ، لَوْ يَعْلَمُونَها،
- لَيَالٍ لَنَا نَزْدادُ فيها، وَنَلْتَقي
- فَكَمْ غُلّةٍ للشّوْقِ أطْفأتُ حَرّها
- بطَيفٍ متى يَطرُقْ دُجَى اللّيلِ يَطرُقِ
- أضُمُّ عَلَيْهِ جَفْنَ عَيْني تَعَلّقاً
- بِهِ، عندَ إجلاءِ النّعاسِ المُرَنِّقِ
- أجِدَّكَ! ما وَصْلُ الغَوَاني بمَطمَعٍ،
- ولا القَلْبُ من رِقّ الغَوَانِي بِمُعْتَقِ
- وَدِدْتُ بَيَاضَ السّيفِ يَوْمَ لَقَينَني
- مَكانَ بَيَاضِ الشَّيبِ كَانَ بمَفْرِقِي
- وَصَدَّ الغَوَاني عِندَ إيمَاضِ لِمّتي،
- وَقَصّرْنَ عَن لَبّيكَ ساعةَ مَنطقي
- إذا شِئْتَ ألاّ تعذُلَ الدّهرَ عاشِقاً
- عَلى كَمَدٍ من لَوْعَةِ الحُبّ فاعشَقِ
- وَكُنتُ متى أبْعُدْ عنِ الخُلِّ أكتَئبْ
- لَهُ، ومَتى أظعَنْ عَنِ الدّارِ أشْتَقِ
- تَلَفّتُّ مِن عُلْيَا دِمَشقَ، ودونَنَا
- للُبْنَانَ هَضْبٌ كالغَمامِ المُعَلَّقِ
- إلى الحِيرَةِ البَيْضَاءِ فالكَرخِ بَعدَما
- ذَمَمتُ مَقامي بينَ بُصرَى وَجِلِّقِ
- إلى مَعْقِلَيْ عزّي وَدَارَي إقَامَتي،
- وَقَصْدِ التفَاتي في الهَوَى، وَتَشَوُّقي
- مَقَاصِيرُ مَلْكٍ أقْبَلَتْ بوُجوهِهَا،
- إِلى مَنظَرٍ من عَرْضِ دِجلَةَ مُونقِ
- كأنّ الرّياضَ الحُوَّ يُكسَينَ حَوْلَها
- أفَانينَ من أفْوَافِ وَشْيٍ مُلَفَّقِ
- إذا الرّيحُ هَزّتْ نَوْرَهُنّ تَضَوّعَتْ
- رَوَائِحُهُ مِنْ فَارِ مِسْكٍ مُفَتَّقِ
- كأنّ القِبَابَ البِيضَ، والشّمسُ طلقَةٌ
- تُضَاحِكُها، أنْصَافُ بَيضٍ مفََّلَّقِ
- وَمنْ شَرَفَاتٍ في السّماءِ، كَأنّها
- قَوَادِمُ بِيضَانِ الحَمامِ المُحَلِّقِ
- رِبَاعٌ منَ الفَتْحِ بنِ خَاقَانِ لم تزَلْ
- غنًى لعَديمٍ، أو فِكاكاً لمُوْثَِقِ
- فَلا الهاربُ اللاّجي إلَيها بمُسْلَمٍ،
- ولا الطّالِبُ المُمْتَاحُ منهَا بمُخفِقِ
- يَحُلُّ بهَا خِرْقٌ، كأنّ عَطَاءَهُ
- تَلاَحُقُ سَيلِ الدِّيمَةِ المتُخَرِقِ
- تَدَفُّقُ كَفٍّ بالسّماحةِ ثَرّةٍ،
- وإسْفَارُ وَجْهِ بالطّلاَقَةِ مُشرِقِ
- تَوَالَتْ أيَادِيهِ عَلَى النّاسِ، فاكَتَفى
- بها كُلُّ حَيٍّ مِنْ شآمٍ وَمُعْرِقِ
- فكَمْ حَقَنَتْ في تُغلِبَ الغُلبِ من دمٍ
- مُبَاحٍ، وأدْنَتْ مِن شَتِيتٍ مُفَرَّقِ
- وَكم نفّستْ في حِمصَ من مُتَأسِّفٍ،
- غَدا المَوْتُ مِنهُ آخِذاً بالمُخَنَّقِ
- وقدْ قَطَعتْ عَرْضَ الأُرُندِ إلَيهمُ،
- كَتائبُ تُزجَى فَيْلَقاً بَعدَ فَيْلَقِ
- بهِ استأنَفُوا بَرْدَ الحَياةِ، وأُسنِدُوا
- إلى ظِلّ فَيْنَانٍ من العَيشِ، مُورِقِ
- فَشُكراً بَني كَهلانَ للمُنعِمِ الذي
- أتَاحَ لَكُمْ رأيَ الإمامِ المُوَفَّقِ
- ثَنى عَنكُمُ زَحفَ الخِلاَفَةِ بَعدَما
- أضَاءَتْ بُرُوقُ العَارِضِ المُتَألِّقِ
- وَقد شُهرَتْ بِيضُ السّيُوفِ وأعرَضَتْ
- صُدُورُ المَذاكي من كُمَيتٍ وأبْلَقِ
- هُنالِكَ لَوْ لَمْ يفْْتُلتْكُمْ حُمِلْتُمُ
- على مثلِ صَدرِ اللَّهْذَميّ المُذَلَّقِ
- فَلا تَكْفُرُنّ الفَتْحَ آلاءَ مُنْعِمٍ،
- نجوْتُمْ بها من لاحجِ القُطرِ ضَيّقِ
- وَعُودُوا لهُ بالشّكرِ منكُمْ يَعُدْ لكمْ
- بسَيْبِ جَوَادٍ، باللُّهَى مُتَدَفِّقِ
- لَهُ خُلُقٌ في الجُودِ لا يَسْتَطِيعُهُ
- رِجَالٌ، يَرُومُونَ العُلاَ بالتَخَلّقِ
- إذا جَهِلُوا من أينَ تَحتَضِرُ العُلاَ،
- دَرَى كَيفَ يَسمُو في ذُرَاها وَيَرْتَقي
- أطَلّ على الأعداءِ مِنْ كُلّ وِجْهَةٍ،
- وَشَارَفَهُمْ من كلّ غَرْبٍ وَمَشرِقِ
- بِبِيضٍ مَتى تُشهَرْ عَلى القَوْمِ يُغْلَبُوا،
- وَخَيلٍ متى تُرْكَضْ إلى النّصرِ تَسبقِ
- أُعِينَ بَنُو العَبّاسِ مِنهُ بِصَارِمٍ
- جِرَازٍ، وَعَزْمٍ كالشّهَابِ المُحَرِّقِ
- وَصَدْرٍ أمِينِ الغَيْبِ يُهْدِي إلَيْهِمِ
- نَصِيحَةَ حَرّانِ الجَوَانِحِ مُشْفِقِ
- فَحَوْلَهُمُ مِنْ نَضْحِهِ وَدِفَاعِهِ
- تَكَهُّفُ طَوْدٍ بالخِلاَفَةِ مُحْدِقِ
- رأيتُكَ مَنْ يَطلُبْ مَحَلّكَ يَنصَرِفْ
- ذَميماً، وَمَنْ يَطلُبْ بسَعيِكَ يَلحَقِ
- لكَ الفَضْلُ والنُّعمَى عَليّ مُبينَةٌ،
- وَمَا ليَ إلاّ وُدُّ صَدْرِي وَمَنْطِقِي
المزيد...
العصور الأدبيه