الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> حقا أقول لقد تبلت فؤادي >>
قصائدالبحتري
حقا أقول لقد تبلت فؤادي
البحتري
- حَقّاً أقُولُ: لَقَدْ تَبَلْتَ فؤادي،
- وأطَلْتَ مُدّةَ غَيّيَ المُتَمَادِي
- بجَوًى مُقيمٍ، لَوْ بَلَوْتَ غَليلَهُ
- لَوَجَدْتَهُ غَيرَ الجَوَى المُعتادِ
- وَلَقد عرفت جَوَى الهَوَى في مُنّتي،
- وََرأيتَ طاعَةَ قَلبيَ المُنْقَادِ
- والحبُّ شكود للنّفُوسِ يَسُرُّني
- سهو العَوَائِدِ عَنْهُ، وَالعُوّادِ
- هل أنتَ صَارِفُ شَيبَةٍ، إنْ غَلّستْ
- في الوَقْتِ، أو عَجِلَتْ عن المِيعادِ
- جَاءَتْ مُقَدَّمَةً أمَامَ طَوَالعٍ،
- هَذي تُرَاوِحُني، وتلكَ تُغَادِي
- وأخو الغَبينَةِ تَاجرٌ في لِمّةٍ،
- يَشْرِي جَديدَ بَيَاضِهَا بسَوَادِ
- لا تَكذِبَنّ فَمَاالصّبَا بمُخَلَّفٍ
- فينَا وَلا زَمَنُ الصّبَا بمُعَادِ
- وَأرَى الشّبابَ على غَضَارَةِ حُسنِه
- وجماله ، عَدَداً منَ الأعْدَادِ
- إنّ الخلافَةَ أحمَدَتْ منْ أحمَدٍ
- شيَماً، أُنافُ بها على الإحْمَادِ
- مَلِكٌ، تُحَيّيهِ المُلُوكُ، وَدونَهُ
- سيمَا التّقَى، وَتَخَشُّعُ الزُّهَادِ
- وقذت موالاة الصيام تصرفا
- من لحظ ظمآن الهواجر صاد
- مُتَهَجّدٌ يُخفي الصّلاةَ، وقد أبى
- إخفَاءَها أثَرُ السّجُودِ البَادِي
- سَمحُ اليَدينِ، إذا احتَبَى في مجلِسِ
- كانَ النّدى صِفةً لذاكَ النّادِي
- أُنْظُرْ إلَيْهِ، إذا تَلَفّتَ مُعْطياً
- نَيْلاً، وَقُلْ في البَحْرِ والوُرّادِ
- وإذا تَكَلّمَ فاستَمَعْ من خُطبَةٍ،
- تَجْلُو عَمَى المُتَحَيّرِ المُرْتَادِ
- أفضَى إلَيْهِ المُسْلِمُونَ فصَادَفُوا
- أدْنَى البَرِيّةِ منْ تُقًى وَسَدادِ
- بفَضِيلَةٍ في النّفسِ تُوصَلُ عندَهُ
- بفَضَائِلِ الآبَاءِ، والأجْدَادِ
- وَمَحَلّةٍ تَعلُو، فتَسقُطُ، دونَها
- هِمَمُ العِدَى، وَنَفَاسَةُ الحُسّادِ
- وَزَنُوا الأصَالَةَ من حِجَاهُ، وإنّما
- وَزَنُوا بها طَوْداً منَ الأطْوَادِ
- وَوَرَاءَ ذاكَ الحِلْمِ لَيثُ خَفيّةٍ،
- من دونِ حَوْزَتهمْ، وَحَيّةُ وَادِ
- مُتَيَقّظٌ عُصِمَتْ بَوَادِرُ أمْرِهِ
- بعُرًى من الرّأيِ الأصِيلِ، شِدادِ
- كالسّيفِ في ذاتِ الإلَهِ، وَقد يُرَى
- كرماً كَفَرْعِ النّبعَةِ المُنْآدِ
- رَاعٍ، أرَاهُ الحَقُّ قَصْدَ سبيله،
- فَغَدا يُناضل دونَه وَيُرَادي
- وَدّتْ رَعيّتُهُ لوَ أنّ لَيَالِياً
- قَدُمَتْ بهِ في المُلْكِ، والميلادِ
- تَبعتْ بَنو العَبّاسِ هَديَ مُوَفَّقٍ
- ثَبْتِ البَصِيرَةِ، بالمَحَجّةِ هَادِ
- مُسْتَجْلِبٍ لَهُمُ اجتهَادَ نَصِيحَةٍ
- منْ أوْلِيَائِهِمِ، وَذُود أعَادِ
- وكأنّهُمْ، لَمّا اقتَفَوْا آثاره،
- تَبعُوا ضِيَاءَ الكَوْكَبِ الوَقّادِ
- يَنسَى الذّنُوبَ، وما تَقادَمَ عهدُها،
- مُلقَى الضّغَائِنِ، دارِسَ الأحقادِ
- تَعفُو لعَفْوِ الله عَنْكَ تَحَرّياً،
- والعَفْوُ خَيرُ خَلائقِ الأمْجادِ
- بَلَغَ احْتياطُكَ وَفْدَ كلّ قَبيلَةٍ،
- وأغاثَ عَدْلُكَ أهلَ كلّ بلادِ
- لاَ تَخلُ من عَيشٍ يكُرُّ سرُورُهُ،
- أبَداً، وَنيْرُوزٍ عَلَيْكَ مُعَادِ
- وَبَقيتَ يَفديكَ الأنَامُ، وإنّهُ
- لَيَقِلُّ للمُفْدَى قدر الفَادِي
- أخشَى الخَرَاجَ وَقد دَعوْتُ لعِظمه
- مَلِكَ المُلُوكِ، وَرَافدَ الرُّفّادِ
المزيد...
العصور الأدبيه