الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> حبيب سرى في خفية وعلى ذعر >>
قصائدالبحتري
حبيب سرى في خفية وعلى ذعر
البحتري
- حَبيبٌ سرَى في خِفيَةٍ، وعَلى ذُعْرٍ،
- يَجُوبُ الدّجَى حتّى التَقَينا على قَدْرِ
- تَشَكّكتُ فيهِ مِنْ سُرُورٍ، وَخِلْتُهُ
- خَيالاً أتَى في النّوْمِ من طَيْفِهِ يَسرِي
- وأفرَطْتُ مِنْ وَجْدٍ بهِ، فدَرَى بِنا
- على سَاعَةِ اللهجرانِ مَن لم يَكُنْ يدرِي
- وَمَا الحُبُّ ما وَرّيتَ عَنهُ تَسَتُّراً،
- وَلَكِنّهُ ما مِلْتَ فيهِ إلى الَجهْرِ
- أتىَ مستَجيراً بي مِنَ البَينِ تائِباً
- إليّ منَ الصّدّ الذي كانَ في الهَجرِ
- فَلَمْ يَستَطعْ قَلبي امتِنَاعاً منَ الهَوَى،
- وَلَمْ تَستَطِعْ نَفْسِي سَبِيلاً إلى الصّبْرِ
- سَقَانِي بكأسَيْهِ وَعَيْنَيْهِ قَادِراً
- بألحَاظِهِ، دونَ المُدَامِ، على سُكرِي
- وأقْسَمَ لي ألا يَخُونَ مَوَدّتي،
- وإنْ أسرَفَ الوَاشِي، وَكَثّرَ ذو الغُمرِ
- وَلَم أنْسَناهُ، عِندَ التّلاقي، وَضَمَّنَا
- سَوَالِفَ نَحْرٍ، مِنْ مَشُوقٍ، إلى نحرِ
- وَتَكْرَارَنَا ذاكَ العِنَاقَ، إذا انْقَضَتْ
- لَنَا عَبْرَةٌ عادَتْ لَنَا عَبْرَةٌ تَجرِي
- أحاديثُ شَكوَى مِنْ مُحبَّينِ لا تَني
- تُعِلُّ فُؤاداً بالصّبابَةِ، أو تُبرِي
- تَعَجّبْتُ مِنْ فِرْعَوْنَ إذْ ظَنّ أنّهُ
- إلَهٌ، لأنّ النِّيلَ مِنْ تَحْتِهِ يَجْرِي
- وَلَوْ شاهَدَ الدّنْيا وَجامِعَ مُلْكِهَا
- لَقَلّ لَدَيْهِ ما يُكَثَّرُ مِنْ مِصْرِ
- وَلَوْ بَصُرَتْ عَيْنَاهُ بالزّوّ لازْدَرَى
- حَقِيرَ الذي نَالَتْ يَداهُ مِنَ الأمْرِ
- إذاً لَرَأى قَصْراً على ظَهْرِ لُجّةٍ،
- يَرُوحُ وَيَغدُو فَوْقَ أمواجِها يَجرِي
- تُصَادُ الوُحُوشُ في حِفَافِي طَرِيقِهِ،
- وَتُسْتَنزَلُ الطّيرُ العَوَالي عَلى قَسْرِ
- وَلَمْ أرَ كالمُعْتَزّ، إذْ رَاحَ مُوفياً
- عَلَيْهِ بوَجْهٍ لاحَ في الرّوْنَقِ النّضْرِ
- مَلِيّاً، بِأنْ يَجْلُو الظّلامَ بغُرّةٍ،
- تَخَاضَعُ إكْباراً لهَا غُرّةُ الفَجْرِ
- إذا اهتَزّ غب الأرْيَحِيّةِ والنّدَى،
- وأسْفَرَ في ضَوْءِ الطّلاَقَةِ والبِشْرِ
- وَقَابَلَهُ بَدْرُ السّمَاءِ بوجهِهِ،
- فَبَدْرٌ عَلى بَدْرٍ، وَبَحرٌ على بَحرِ
- رأيتُ بَهَاءَ المُلْكِ مُجْتَمِعاً لَهُ،
- وَديبَاجَةَ الدّنْيَا، وَمَكْرُمَةَ الدّهرِ
- وَخِرْقٌ مَتَى امتَدّتْ يَداهُ بِنَائِلٍ،
- فَمَا النَّيلُ منهُ بالزّهِيدِ، وَلا النّزْرِ
- مَوَاهِبُ مَكّنّ الفَقِيرَ مِنَ الغِنَى
- مِرَاراً، وأعدَينَ المُقِلّ على المُثْرِي
- بَقيتَ، أميرَ المُؤمِنينَ، فإنّما
- بَقاؤكَ يُسْرُ النّاسِ شَرّدَ بالعُسْرِ
- سأُجْهِدُ في شُكْرٍ لنُعْمَاكَ، إنّني
- أرَى الكُفْرَ للنَّعماءِ ضَرْباً من الكُفْرِ
المزيد...
العصور الأدبيه