الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> توهم ليلى وأظعانها >>
قصائدالبحتري
توهم ليلى وأظعانها
البحتري
- تَوَهَّمَ لَيْلَى وأظعَانَهَا،
- ظِبَاءَ الصّرِيمِ، وَغِزْلاَنَهَا
- بَرَزْنَ عَشِيّاً، فقُلْتُ استَعَرْ
- نَ كُثْبَ السَّرَاةِ، وَقُضْبَانَهَا
- وأسْرَيْنَ لَيْلاً، فخِلْنَا بهِـ
- ـنّ مَثنى النّجومِ ووُحْدانَهَا
- صَوادِفُ، جَدّدنَ، بعدَ الهَوى،
- مِطَالَ الدّيُونِ وَلِيّانَها
- جَحَدْنَ جَديدَ الهَوَى، بعدَما
- عَرَفْنَ الصّبَابَةَ، عِرْفَانَهَا
- وَكنتُ أمرَأً لم أزَلْ تابِعاً
- وِصَالَ الغَواني، وَهِجْرَانَها
- أُحِبُّ، عَلى كلّ ما حَالَةٍ،
- إسَاءَةَ لَيْلَى، وإحْسَانَهَا
- أرَاكِ، وإنْ كنتِ ظَلاّمَةً،
- صَفِيّةَ نَفْسِي، وخُلْصََانَهَا
- ويُعْجِبُني فِيكِ أَنْ أَسْتَدِيمَ
- صَبَابَاتِ نَفْسِي وأَشْجَانَها
- وَمَا سَرّني أنّ قَلبي أُعِيرَ
- عَزَاءَ القُلُوبِ وَسُلْوَانَهَا
- سرَى البَرْقُ يَلمَعُ في مُزْنَةٍ،
- تَمُدُّ إلى الأرْضِ أشْطَانَها
- فَلا تَسألَنْ باستِواءِ الزّمانِ،
- وَقد وافتِ الشّمسُ مِيزَانَها
- شَبيبَةَ لَهْوٍ تَلَقّيْتَهَا،
- فَسَايَرْتَ بالرّاحِ رَيْعانَهَا
- وَلاَ أرْيَحيّةَ، حتّى تُرَى
- طَرُوبَ العَشِيّاتِ، نَشْوَانَهَا
- وَلَيْسَتْ مُداماً، إذا أنتَ لمْ
- تُوَاصِلْ مَعَ الشَّرْبِ إدْمَانَهَا
- وكَمْ بالجَزِيرَةِ مِنْ رَوْضَةٍ،
- تُضَاحِكُ دِجْلَةَ ثُغْبَانَهَا
- تُرِيكَ البَواقِيتَ مَنْثُورَةً،
- وَقَدْ جَلّلَ النَّوْرُ ظُهْرَانَهَا
- غَرَائبُ تَخطَفُ لحظَ العُيونِ،
- إذا جَلّتِ الشّمْسُ ألْوَانَهَا
- إذا غَرّدَ الطّيرُ فيها، ثَنَتْ
- إلَيْكَ الأَغانيُّ ألْحَانَها
- تَسِيرُ العَمَارَاتُ أيْسَارَهَا،
- وَيَعْتَرِضُ القَصْرُ أيْمَانَهَا
- وَتَحْمِلُ دِجلَةَ حملَ الجَمُوحِ،
- حَتّى تُنَاطِحَ أرْكَانَهَا
- كأنّ العَذَارَى تَمَشّى بِهَا،
- إذا هَزّتِ الرّيحُ أفْنَانَهَا
- تُعَانقُ للقُرْبِ شَجْرَاؤهَا
- عِنَاقَ الأحِبّةِ أسْكَانَهَا
- فَطَوْراً تُقَوِّمُ مِنْهَا الصَّبَا،
- وَطَوْراً تُمَيِّلُ أغْصَانَهَا
- جَنُوحٌ، تُنَقّلُ أفْيَاءَهَا،
- كَمَا جَرّتِ الخَيْلُ أرْسَانَهَا
- رِبَاعُ أخي كَرَمٍ مُغْرَمٍ
- بأنْ يَصِلَ الدّهْرُ غِشْيَانَهَا
- ألُوفُ الدّيَارِ، فإنْ أجمَعَ التّرَحّـ
- ـلُ حَرّمَ إيطَانَهَا
- إذا هَمّ لمْ يَختَلجْ عَزْمَهُ
- مَقَاصِيرُ يَعْتَادُ إكْنَانَهَا
- مُطِلٌّ عَلى بَغَتَاتِ الأُمُورِ،
- عَبَا للمُلِمّاتِ أقْرَانَهَا
- تُعِدُّ المُوَالي لَهُ نَصْرَهَا،
- وَتُولي المُعَادِينَ خِذْلاَنَهَا
- وَتَحتَاطُ مِنْ شَفَقٍ حوْلَهُ،
- كَمَا حَاطَتِ العَينُ إنْسَانَهَا
- نقيُّ السّرابيلِ قد أوضحتْ
- طريقَتُهُ القَصْدُ بُرهَانَهَا
- تَوَلُّى الأُمُورَ فَمَا أخْفَرَ الـ
- ـأمَانَةَ فيها، وَلاَ خَانَهَا
- يَبِيتُ عَلَى الفَيْءِ مِنْ عِفَّةٍ
- رَهِيفَ الجَوَانِحِ طَيَّانَها
- إذا فُرَصُ المَجْدِ عَنّتْ لَهُ،
- تَغَنّمَ بالحَزْمِ إمْكَانَهَا
- وَذي هِمّةٍ، قلتُ: لا تَلتَمِسْ
- عُلاهُ لِتَبْلُغَ أعْنَانَهَا
- وَخَلِّ الجِبَالَ، فَلاَ قُدْسَهَا
- أطَقْتَ ولا اسطَعْتَ ثَهلانَها
- مَوَارِيثُ مِنْ شَرَفٍ لم يُضِعْ
- بِنَاهَا، وَلَمع يَطّرِحْ شَانَهَا
- إذا انْتَحَلَ القَوْمُ أسمَاءَها،
- وَجَدْنَاهُ مُلّكَ أعْيَانَهَا
- سَتُثْني بآلائِكَ الصّالِحا
- تِ مَدائحُ أسلَفْتَ أثْمَانَهَا
- على اليُمْنِ يَسّرْتَ، لليَعْمَلا
- تِ، عُرَاهَا وللخَيلِ فُرْسانَهَا
- ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أطرُقَنّ
- قُصُورَ البَليخِ، وأفْدانَهَا
- وَهَلْ أرَيَنّ عَلى حَاجَةٍ
- صَوَامِعَ زَكَّى، وَرُهْبَانَهَا
- وَهَلْ أطْلُعَنّ على الرَّقّتَينِ
- بخَيْلٍ أُخَايِلُ سَرْعَانَهَا
- مَشُوقٌ تَذَكّرَ أُلاّفَهُ،
- وَنَفْسٌ تَتَبّعُ أوْطَانَهَا
المزيد...
العصور الأدبيه