الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> بمثل لقائها شفي الغليل >>
قصائدالبحتري
بمثل لقائها شفي الغليل
البحتري
- بِمِثْلِ لِقَائِهَا شُفيَ الغَليلُ،
- غَداةَ تَزَايَلَتْ تِلْكَ الحُمُولُ
- بَعيدَةُ مَطلَبٍ، وَجَمادُ نَيلٍ،
- فَها هيَ ما تُنالُ، وَلاَ تُنِيلُ
- إذا خَطَرَتْ تَأرّجَ جَانِبَاهَا،
- كما خطرَتْ على الرّوْضِ القَبولُ
- وَيَحسُنُ دَلُّها، وَالمَوْتُ فيهِ،
- وَقد يُستَحْسَنُ السّيفُ الصّقيلُ
- وَقَفْنَا، وَالعُيُونُ مُشَغَّلاتٌ،
- يُغَالِبُ دَمْعَها نَظَرٌ كَليلُ
- نَهَتْهُ رِقْبَةُ الوَاشِينَ، حَتّى
- تَعَلّقَ لا يَغِيضُ، وَلاَ يَسيلُ
- غَدَتْ قُضْبانُ أسْحِلَةٍ عَلَيْها،
- لفَرْطِ الجَدلِ، أوْشحةً تجولُ
- يُقَوِّمُ مِنْ تَثَنّيها اعْتِدالٌ،
- يَكادُ يُقالُ من هَيَفٍ: نُحولُ
- مَشَينَ على خَمَائلِ ذي طَلُوحٍ،
- وَقد ضَاقَتْ بما فيها الحُجُولُ
- أقُولُ أزِيدَ مِنْ سَقَمٍ فُؤَادِي،
- وَهَلْ يَزْدَادُ منْ قَتلٍ قَتيلُ
- وَلَيْسَ يَصِحُّ للمَخْبُولِ قلبٌ
- يُعِلُّ خَبَالَهُ اللَّحْظُ العَليلُ
- تَنَاسَى عَهْدَهُ سَكَنٌ خَليٌّ،
- وَنَاءَ بوِدّهِ خِلٌّ مَلُولُ
- فَما دَامَ الحَبيبُ عَلى وِصَالٍ،
- وَلاَ أدّى أمَانَتَهُ الخَليلُ
- أذُمُّ إلَيْكَ مَنْ أحْمَدتُ، إنْ لمْ
- يَكُنْ عَدَدٌ بحَيثُ هُمُ قَلِيلُ
- لَنَا في كلّ دَهْرٍ أصْدِقاءٌ
- تَعُودُ عِدًى، وَحالاتٌ تحولُ
- وَقَدْ تَعفُو الظّنُونُ بمنْ يُرَجّى،
- فتُخْلَفُ مثلَ ما تَعفُو الطّلولُ
- وَمَا فُقِدَ الجَميلُ لقُرْبِ عَهْدٍ،
- فَنَسألَ عَنهُ، بل نُسِيَ الجَميلُ
- وَيَلْؤمُ سائِلُ البُخَلاءِ حِرْصاً
- وإشْفَاقاً، كَمَا لَؤمَ البَخيلُ
- بَنَاتُ العِيدِ تَعتَادُ الفَيَافي،
- إذا شِئْنَا استَمَرّ بهَا الذّميلُ
- وما طرفا زمَانِ المرْءِ إلاّ
- مقامٌ يرتضيهِ أو رحيلُ
- لقد ضَمِنَ العلاءَ بَديءُ جُودٍ،
- نِجَارُ أبي العَلاءِ بِهِ كَفيلُ
- يَلَذُّ الأرْيَحيّةَ للعَطايا،
- كما لَذّتْ لشارِبِها الشَّمُولُ
- لَهُ مِنْ مَخْلَدٍ وَبَني أبيهِ
- شَمائلُ ما تخيبُ وَما تُخيلُ
- أُنَاسٌ بَيتُ سُؤدَدِهمْ مطافُ الـ
- ـمَعالي، وَاسْمُ نائِلهمْ جَزِيلُ
- إذا ذُكِرُوا بِشُهرَةِ يوْمِ فَخرٍ،
- تَنَاسَبَتِ النَّبَاهةُ وَالخُمُولُ
- لَئِنْ مَدّوا إلى الَعلْيا أكُفّاً،
- لَهُنّ على أكُفّ النّاسِ طُولُ
- فإنّهُمُ، وَإنّا، حيثَُ نَغْدُو،
- وإنْ كانَتْ تُدَبّرُنا العُقُولُ
- نُيَسِّرُ للّتي تَمْني المَوَاني،
- وَنَذهَبُ حَيثُ تُرْسلُنا الأصُولُ
- أبا عيسَى، وَأنْتَ المَرْءُ تَعْلُو
- لَهُ النّفْسُ الشّرِيفَةُ وَالقَبيلُ
- وَفَرْتُكَ لا هوًى بِكَ في وُفُورٍ
- إذا ما حانَ منْ حَقٍّ نُزُولُ
- وَلكنْ جاهُ ذي خَطَرٍ شَرِيفٍ،
- أرَاهُ وَهْوَ، من جودٍ، بَدِيلُ
- إذا ما القَوْلُ عادَ لَنَا بِطَوْلٍ،
- فَفَيضٌ مِن فَعالِكَ ما تَقُولُ
المزيد...
العصور الأدبيه