الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> بأي أسى تثنى الدموع الهوامل >>
قصائدالبحتري
بأي أسى تثنى الدموع الهوامل
البحتري
- بأيّ أسًى تُثْنَى الدّمُوعُ الهَوَامِلُ،
- وَيُرْجَى زِيَالٌ مِنْ جَوًى لا يُزَايِلُ
- دَعِ المَوْتَ يَغْتَلْ مَنْ أرَادَ، فإنّهُ
- ثوَى اليوْمَ من تُخشَى علَيهِ الغَوَائلُ
- وَلمْ يَبقَ مَرْهُوبٌ تُخافُ شَذاتُهُ،
- وَلا مُفضِلٌ تُرْجَى لَدَيْهِ الفَوَاضِلُ
- إذا عَاجِلُ الدّنْيَا ألَمّ بِمُفْرِحٍ،
- فمِنْ خَلفِهِ فَجعٌ، سيَتلوهُ آجلُ
- وَكانَتْ حَياةُ الحَيّ سُوقاً إلى الرّدى،
- وَأيّامُهُ، دونَ المَمَاتِ، مَرَاحِلُ
- وَما لَبْثُ مَنْ يَغدو، وَفي كلّ لحظةٍ
- لَهُ أجَلٌ، في مُدّةِ العمرِ، قاتِلُ
- وَللمَرْءِ يَوْمٌ، لا مَحَالَةَ، مَا لَهُ
- غَدٌ، وَسطَ عامٍ ما لهُ، الدّهرَ، قابلُ
- كَفَانَا اعْتِرَافاً بالفَنَاءِ وَرِقْبَةً
- لمَكْرُوهِهِ، أنْ لَيسَ للخُلدِ آمِلُ
- سَلا خِفْيَةً عَن صَاحبِ الجَيشِ إنّه
- أقَامَ بظَهْرِ الَكْرخِِ، وَالجَيشُ رَاحِلُ
- أعاقَتْهُ عَن ذاكَ العَوَائقُ، أمْ عدتْ
- علَيهِ العِدى، أمْ أعلَقَتهُ الحَبائلُ؟
- فكَمْ جَرَزٍ من أرْضِ جَرْزَانَ، فاتَها
- تَتابُعُ سَحٍّ مِنْ يَدَيْهِ، وَوَابِلُ
- تَفَرّغَتِ الأعْداءُ مِنْهُ، وَرُبّما
- غَدا وَهوَ شُغلٌ للمُعادينَ، شاغلُ
- لَئِنْ زُلزِلَ الثّغْرَانِ، عندَ ذهابِهِ،
- لقَد سكَنَتْ، بالنّاطَلوقِ، الزّلازِلُ
- فَلا ظَفِرَتْ تِلكَ الغَزَاةُ بمَغنَمٍ،
- وَلا قَفَلَتْ، بالنُّجحِ، تلكَ القَوَافِلُ
- عَجِبْتُ لهَذا الدّهرِ أفْنَى مُحَمّداً،
- وَكانَ الذي يَسطو بهِ، وَيُصَاوِلُ
- مَضَى، فمَضَى مَجدٌ تَليدٌ وَسُؤددٌ،
- وَأوْدَى فأوْدَى منهُ بأسٌ وَنَائِلُ
- وَكانَ سِرَاجَ الأرْضِ، فالأرْضُ مظلمٌ
- قُرَاها، وَحَليَ الدّهرِ، فالدّهرُ عاطلُ
- ستَبكيهِ عَينٌ لا ترَى الجُودَ بَعدَهُ،
- إذا فاضَ منها هامِلٌ عَادَ هَامِلُ
- وَتَعلَمُ جُرْدُ الخَيلِ أن ليسَ رَاكبٌ
- سِوَاهُ، وَسُمرُ الخَطّ أن ليسَ حامِلُ
- فتًى كانَ يأبَى قَدْرُهُ أن يُرَى لَهُ
- نَظيرٌ مُسَاوٍ، أوْ شَبيهٌ مُشَاكِلُ
- فتًى أقفَرَتْ منهُ المَعالي، وَلمْ تكُنْ
- لتُقْفِرَ مِمّنْ بَانَ، إلاّ المَنَازِلُ
- وَثَاوٍ، بَكَتْهُ المَكْرُمَاتُ، وَإنّما
- تُبَكّي على الثّاوِي النّساءُ الثّوَاكِلُ
- سَقَى الله قَبْراً لَوْ يَشَاءُ تُرَابُهُ،
- إذاً سُقِيَتْ مِنْهُ الغُيُومُُ الهَوَاطِلُ
- نَأى رَبُّهُ عَنَّا، وَأعرَضَ دونَهُ،
- على كُرْهِنا، عَرْضُ الثّرَى وَالجَنادِلُ
- حيا الأرْضِ ألقتْ فوْقَهُ الأرْضُ ثِقلَها،
- وَهَوْلُ الأعادي حَوْلَهُ التُّرْبُ هائلُ
- أمَا، وَأبي كَهْلانَ، يَوْمَ مُصَابِهِ،
- لَقَدْ أُثْقِلَتْ بالرُّزْءِ منها الكَوَاهلُ
- رَأوْا شَمسَهُمْ في يوْمهمْ، وَهيَ ظُلمة،
- وَبَدْرَهُمُ في لَيلِهمْ، وَهوَ آفِلُ
- فَشامُوا سُيُوفاً، ما لَهُنّ مَضَارِبٌ،
- وَألْفَوْا رِمَاحاً، ما لَهُنّ عَوَامِلُ
- فقَدْناكَ فِقدانَ الحَياةِ، وَأقبَلَتْ
- تُلاحِظُنا، خَزْراً إلَينا، القَبائِلُ
- وَلوْلا ابنُكَ المَرْجوُّ فينا لأصْبَحَتْ
- أعَالي الرُّبَى مِنها، وَهُنّ أسَافِلُ
- رَدَدْنا إلَيْهِ الأمْرَ طَوْعاً، وَلمْ نَقلْ
- لَهُ في الذي يأتيهِ: مَا أنتَ فَاعِلُ
- بهِ جُمعَ الشّملُ الشّتيتُ، وَفُرّقَتْ
- عَباديدَ في القَوْمِ، اللُّهَى وَالنّوَافلُ
- تَخَطّى إلَيهِ الرُّزْءُ مِنْ كلّ وِجهَةٍ
- حَرِيمَ نَدًى لا تَخْتَطيهِ العَوَاذِلُ
- وَمَن يرَ جَدوَى يُوسُفَ بنِ محَمّدٍ
- يرَ البَحرَ، لمْ يَجمَعْ نَواجيهِ ساحلُ
- أغَرُّ، إذا عُدّتْ مَناقبُ فِعْلِهِ،
- تَوَهّمْتَ أنّ الحَقّ مِنْهُنّ بَاطِلُ
- إذا مَا نَحَا مِنْ مَجلِسِ المُلكِ رُتبةً،
- تحَلحَلَ عَنْهَا الأحوَذيُّ الحُلاحلُ
- تَطَاطَا الخُدودُ الزُّورُ تحتَ سُكوتِهِ،
- وَتَنْتَظِرُ الأسْمَاعُ مَا هُوَ قَائِلُ
- وَكَانَ وَرَاءَ المَدْحِ، إذْ هوَ زَائدُ الـ
- ـيَدينِ، فكَيفَ الآنَ إذْ هوَ كامِلُ
- وَقد حُقّقَتْ فيهِ الظّنونُ وَصُدّقَتْ
- على ما حَكَتْ منْ قَبلُ فيهِ الدّلائِلُ
- وَلا عَجَبٌ، إنْ رَجّمَ الغَيبَ عالِمٌ،
- فقَبلَ الغُيوثِ ما تكونُ المَخايِلُ
- وَإنْ جَاءَنَا يَحْكي أباهُ، فلَم تَزَل
- لَهُ مِنْ أبيهِ شِيمَةٌ وَشَمَائِلُ
- هُما شَرَعٌ في المَكرُماتِ، فَهَذِهِ
- أوَاخِرُ أخْلاقٍ، وَتِلْكَ أوَائِلُ
المزيد...
العصور الأدبيه