الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> إني تركت الصبا عمدا ولم أكد >>
قصائدالبحتري
إني تركت الصبا عمدا ولم أكد
البحتري
- إنّي تَرَكْتُ الصّبَا عَمداً، وَلمْ أكَدِ
- مِن غَيرِ شَيبٍ وَلا عَذلٍ وَلا فَنَدِ
- مَن كانَ ذا كَبِدٍ حَرّى، فقَد نضَبتْ
- حَرَارَةُ الحبّ عَن قلبي وَعن كَبِدِي
- يا رَبّةَ الخِدْرِ، إنّي قد عَزمتُ على الـ
- ـسّلُوّ عَنكِ، وَلمْ أعْزِمْ عَلى رَشَدِ
- نَقَضْتُ عَهدَ الهَوَى إذْ خانَ عهدُهُمُ،
- وَحُلتُ إذْ حالَ أهلُ الصّدّ وَالبُعُدِ
- عَزّيْتُ نَفسِي ببَرْدِ اليَأسِ بَعدَهُمُ،
- وَما تَعَزّيْتُ مِنْ صَبرٍ، وَلا جَلَدِ
- إنّ الهّوَى وَالنَوَى شَيئانِ ما اجتَمَعَا
- فَخَلَّيَا أحَداً يَصْبُو إلى أحَدِ
- وَمَا ثَنَى مُسْتَهَاماً عَنْ صَبَابَتِهِ،
- مثلُ الزَّماعِ، وَوَخدِ العِرْمِسِ الأُجُدِ
- إلى أبي نَهْشَلٍ، ظَلّتْ رَكائِبُنَا
- يَخدِينَ مِنْ بَلَدٍ نَاءٍ، إلى بَلَدِ
- إلى فَتًى مُشرِقِ الأخْلاقِ لوْ سُبكتْ
- أخلاقُهُ مِن شُعاعِ الشّمسِ لم تَزِدِ
- يُمْضِي المَنَايا دِرَاكاً، ثمّ يُتْبِعُهَا
- بِيضَ العَطايا، وَلمْ يُوعِدْ وَلم يَعِدِ
- وَلابِسٍ ظِلّ مالٍ للنّدَى أبَداً،
- فيهِ وَقَائِعُ طَيْءٍ في بَني أسَدِ
- بَنُو حُمَيدٍ، أُناسٌ في سُيُوفِهِمِ
- عزُّ الذّليلِ وَحَتفُ الفارِسِ النَّجِدِ
- لَهُمْ عَزَائِمُ رَأيٍ، لَوْ رَمَيْتَ بهَا،
- عِندَ الهِيَاجِ، نُجومَ اللّيلِ لمْ تَقِدِ
- تَحَيّرَ الجُودُ وَالإحْسانُ بَيْنَهُمُ،
- فَما يَجُوزُهُمُ جُودٌ إلى أحَدِ
- لَوْلا فَعالُهُمُ، وَالله كَرّمَهُ،
- لَماتَ ذِكْرُ المَعَالي، آخِرَ الأبَدِ
- بِيضُ الوُجُوهِ مَعَ الأخلاقِ وَجدُهمُ
- بالبَأسِ وَالجُودِ وَجدُ الأُمّ بالوَلَدِ
- مُحَمّدُ بنُ حُمَيْدٍ! أيُّ مَكْرُمةٍ
- لمْ تَحْوِها بيَدٍ بَيْضَاءَ، بَعدَ يَدِ
- شَمَائِلٌ مِنْ حُمَيْدٍ فيكَ بَيّنَةٌ،
- لها نَسيمُ رِياضِ الحَزْنِ والجلَدِ
- تَبَسّمٌ، وَقُطوبٌ، في نَدًى وَوَغًى،
- كالبرْقِ وَالرّعدِ وَسطَ العارِض البرِدِ
- أعطَيْتَ، حتّى ترَكتَ الرّيحَ حاسرَةً؛
- وَجُدْتَ، حتّى كأنّ الغَيثَ لم يَجُدِ
المزيد...
العصور الأدبيه