الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> إذا عرضت أحداج سلمى فنادها >>
قصائدالبحتري
إذا عرضت أحداج سلمى فنادها
البحتري
- إذا عَرَضَتْ أحْدَاجُ سلمى، فنادِها:
- سقَتكِ غَوَادي المُزْنِ صَوْبَ عِهَادِها
- أمَا لُبْثَةٌ تُقْضَى لُبَانَةُ عاشِقٍ
- بها، أوْ يُرَوّى صائِمٌ باتّئَادِها
- وَدِدْتُ، وَهَلْ نَفسُ امرِىءٍ بملومة
- إذا هيَ لمْ تُعطِ المنَى مِنْ وَدادها
- لَوَ أنّ سُلَيْمَى أسْجَحَتْ، أوْ لَو أنّهُ
- أُعِيرَ فُؤَادي سَلوَةً من فُؤادِهَا
- يُكَثَّرُ فينَا الكَاشِحُونَ، وَبَيْنَنَا
- حَوَاجِزُ مِنْ سُلْمَى وَبَرْكِ غِمادِهَا
- وَنُحْسَدُ إنْ تَسرِي إلَيْنا منَ الهَوَى
- عَقابيلُ يَعتَادُ الجَوَى باعْتِيَادِها
- فَكَمْ نَافَسُوا في حُرْقَةٍ إثْرَ فُرْقَةٍ
- تُعَجِّبُ مِن أنْفَاسِنا وامْتِدَادِها
- وَفي لَيلَةٍ بِعْنَا لِطَارِقِ شَوْقِهَا
- كَرَى أعيُنٍ، مَطْرُوفَةٍ بسُهَادِهَا
- غَدا المُهْتَدِي بالله، والغَيْثُ مُلحَقٌ
- بأخلاقِهِ، أوْ زائد في عِدادِها
- حَمِدنا بهِ عَهْدَ اللّيالي، وأشرَقَتْ
- لَنَا أوْجُهُ الأيّامِ، بعدَ ارْبِدَادِها
- إذا كَرّتِ الآمَالُ فيهِ تَلاَحَقَتْ
- مَواهبُ مَكْرُورِ الأيَادي، مُعَادِهَا
- وَقَدْ أعجَزَ العُذّالَ أنْ يَتَدارَكُوا
- لُهًى تَسبُقُ الألحاظَ، قبلَ ارتِدادِها
- سَعتْ تَتَبَغّاهُ الخِلاَفَةُ رَغْبَةً
- إلَيهِ، بأوْفَى قَصْدِها واعتِمَادِها
- فَما علَقَتْهُ، خَبْطَ عاشيَةِ الدّجَى،
- وَلكِنّها اختارَتْهُ بَعدَ ارْتِيَادِهَا
- إمَامٌ إذا أمضَى الأُمُورَ تَتَابَعَتْ
- عَلى سَنَنٍ مِنْ قَصْدِها وَسَدادِها
- مَتَى يَتَعَمّمْ بالسّحَابِ تَلُثْ عَلى
- كَفيءٍ لَها يُحتازِ إرْثِ اسْوِدادِها
- وإنْ يَتَقَلّدْ ذا الفَقَارِ يُضَفْ إلى
- شُجاعِ قُرَيشٍ، في الوَغَى، وَجَوادِها
- مُزَايِدُ نَفْسٍ في تُقَى الله لمْ تَدَعْ
- لَهُ غَايَةً في جِدّها، واجتِهَادِهَا
- لهُ عَزْمَةٌ ما استَبطأ المُلكُ نُجحَها،
- ولا استعْتَبَ الإسلامَ وَرْيُ زِنَادِها
- إذا شُوهِدَتْ بالرّأيِ بانَ اختِيَارُها،
- وإن بانَ ذو الرّأيِ اكتفتْ بانفِرَادِها
- رَشيدِيّةٌ في نَجْرِها، واثِقِيّةٌ،
- يَرَى الله أيثَارَ التّقَى مِن عَتادِها
- وَمَا نَقَلَتْ مِنْهُ الخِلاَفَةُ شِيمَةً،
- وَقَدْ مكَنَتْهُ، عَنوَةً، مِنْ قِيَادِها
- وَلاَ مالَتِ الدّنْيَا بهِ حينَ أشرَقَتْ
- لهُ في تَنَاهي حُسْنِها، واحتِشَادِها
- لَسَجّادَةُ السّجّادِ أحْسَنُ مَنظَراً
- منَ التّاجِ في أحجارِهِ، واتّقَادِهَا
- وَللصّوفُ أوْلَى بالأئِمّةِ مِنْ سَبَا الـ
- ـحَريرِ، وإنْ رَاقَتْ بصِبغِ جِسادِها
- رَدَدْتَ هَدايَا المِهرَجَانِ، وَلم تكُنْ
- لتَسخو النّفُوسُ الوُفرُ عن مُستَفادِها
- وَعَادَيتَ أعْيَادَ المُضِلّينَ مُعْلِناً،
- وَلَوْلا التّحَرّي للهُدَى لمْ تُعَادِها
- وَقَامَتْ سَبِيلُ الحجِ للعَصَبِ التي
- هَوَتْ نَحْوَهُ مِنْ قُرْبِها وَبِعَادِها
- فَهَوّنْتَ مَشْكُوراً فَرِيضَةَ حَجّها،
- وَكَانَتْ تَعُدُّ الحَجُّ مِنْ جِهَادِها
- كفيت بلادا ظل موسى بجيشه
- زعيمك في إصلاحها وفسادها
- إذا عُصْبَةٌ ضَلّتْ، فأبْدَتْ سَوَادَهَا
- لشَغبٍ على مَلْكٍ، رَمى في سَوَادِها
- وإنْ بَاتَتِ الأعداءُ، دونَ بِلادِهِ،
- تَوَرّدَها مَكْرُوهُهُ في بِلاَدِها
- تَشَوّفَ أهلُ الغَرْبِ، فارْمِ بعَزْمَةٍ
- إلى إرَمٍ، إذْ مانَعَتْ، وعِمَادِهَا
- لتَسكُنَ ضَوْضَاءُ العَرِيسِ، وَتَنْتَهي
- فِلَسطُونُ عَنْ عِصْيانِها وَعِنَادِهَا
- فكَم ثَمّ مِنْ إجْلاَبَةٍ، تَحتَ خفتةٍ،
- وَمن جَمرَةٍ مَخبوءَةٍ في رَمَادِها
- وَما بعُيُونِ القَوْمِ عن ذاكَ منْ عَمًى،
- ولَكِنْ زُرُوعٌ أيْنَعَتْ لحِصَادِها
- فَهَلْ هيَ إلاّ نَهضَةٌ مِنْ مشيعٍ،
- يُرَاوِحُها بالخَيْلِ، إنْ لَم يُغَادِهَا
- كَتائِبُ، نَصرُ الله أمضَى سِلاحِها،
- وعَاجِلُ تَقوَى الله أكبَرُ زَادِها
- عَلَيهِنّ مِنْ شوسِ المَوالي فَوَارِسٌ،
- عِدادُ حصَى البطحاءِ دونَ عِدادِها
- وَقد طَارَدَتْهُمْ، بالثَّدِيّينِ، خَيلُهُ،
- فَباتَتْ حُماةُ الكُفرِ صرْعى طِرَادِها
- بَقِيتَ، أمِيرَ المؤمِنينَ، وأنْفَدَتْ
- حَيَاتُكَ عُمْرَ الدّهرِ قَبلَ نَفادِها
- وَلاَ زَالَ للدّنيا بَهَاءٌ وَبَهْجَةٌ
- بمُلْكِكَ يَزْدَادَانِ طولَ ازْدِيَادِها
- سأشكُرُ مِنْ نعماكَ آلاءَ منعم،
- وَجَدْتُ طَرِيفي كُلَّهُ من تِلاَدِها
المزيد...
العصور الأدبيه