الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> أنظر إلى العلياء كيف تضام >>
قصائدالبحتري
أنظر إلى العلياء كيف تضام
البحتري
- أُنْظُرْ إلى العَلْيَاءِ كَيفَ تُضَامُ،
- وَمَآتِمِ الأحسابِ كَيفَ تُقَامُ
- حُطََّتْ سُرُوجُ أبي سَعيدٍ، وَاغتَدتْ
- أسيَافُهُ، دُونَ العَدُوّ، تُشَامُ
- خَبَرٌ ثَنَى رُكَبَ الرّكابِ، فَلْم يدَعْ
- للرّكْبِ وَجْهَ تَرَحّلٍ، فَأقَامُوا
- وَرَزِيئَةٍ حَمَلَ الخَليفَةُ شَطرَها
- وَالمُسْلِمونَ، وَشَطْرَها الإسْلامُ
- مَنْ يَعْتَفي العَافي بهِمّتِهِ، وَمَنْ
- يأْوي إلَيْهِ المُعْتِمُ المُعْتَامُ
- أينَ السّحابُ الجَوْدُ، وَالقَمَرُ الذي
- يَجلُو الدّجَى، وَالضّيغَمُ الضّرْغَامُ
- أينَ العَبُوسُ المُشْمَئِزُّ، إذا رَأى
- جَنَفاً، وَأينَ الأبْلَجُ البَسّامُ
- سَكَنُ العُلا أوْدَى، فهُنّ ثَوَاكلٌ،
- وَأبو العُفَاةِ ثَوَى، فَهُمْ أيْتَامُ
- وَلّى، وَقَد أوْلَى الوَرَى من جُودِهِ
- نِعَماً، يَقُومُ بِشُكْرِهَا الأقْوَامُ
- لا تَهْنِىءِ الرّومَ استِرَاحَتُهُمْ، فقدْ
- هَدَأُوا بأفْوَاهِ الدّرُوبِ، وَنَامُوا
- أمِنوا وَما أمِنُوا الرّدَى، حتى انطوَى،
- في التُّرْبِ، ذاكَ الكَرُّ وَالإقْدَامُ
- أسَفاً عَلَيْهِ لآسِفٍ بَينَ القَنَا،
- أسْوَانَ، تُعْذَلُ خَيْلُهُ وَتُلامُ
- وَلمُجْتَدٍ رَجَعَتْ يَداهُ بِلا جَداً،
- أعْيَا عَلَيْهِ البَذْلُ وَالإنْعَامُ
- يا صَاحبَ الجَدَثِ المُقِيمَ بِمَنْزِلٍ،
- مَا للأنِيسِ بِحُجْرَتَيْهِ مَقَامُ
- قَبْرٌ، تُكَسَّرُ فَوْقَهُ سُمرُ القَنَا
- مِنْ لَوْعَةٍ، وَتُشَقَّقُ الأعْلامُ
- مَلآنُ مِنْ كَرَمٍ، فَلَيْس يَضُرُّهُ
- مَرُّ السّحابِ عَلَيْهِ، وَهوَ جَهامُ
- بي لا بغَيرِي تُرْبَةٌ مَجْفُوّةٌ،
- لكَ في ثَرَاهَا رِمّةٌ، وَعِظَامُ
- حَالَتْ بكَ الأشْيَاءُ عَنْ حالاتِها،
- فالحُزْنُ حِلٌّ، وَالعَزَاءُ حَرَامُ
- نَستَقْصِرُ الأكْبَادَ، وَهيَ قَرِيحَةٌ،
- وَنَذُمُّ فَيضَ الدّمْعِ، وَهوَ سِجامُ
- فعَلَيكَ، يا حِلفَ النّدى، وَعلى النّدى
- مِنْ ذاهِبَينِ، تَحِيّةٌ وَسَلامُ
- وَبرُغْمِ أنْفي أنْ أرَاكَ مُوَسِّداً
- يَدَ هَالِكٍ، وَالشّامِتُونَ قِيَامُ
- أوْ أنْ يَبيتَ مُؤمِّلُوكَ بِلَوْعَةٍ،
- مُتَمَلْمِلينَ، وَخائِفُوكَ نِيَامُ
- كنتَ الحِمامَ على العَدوّ، وَلمْ أخَفْ
- مِنْ أنْ يكونَ على الحِمَامِ حِمَامُ
- ما كنتُ أحسَبُ أنّ عِزّكَ يَرْتَقى
- بالنّائِبَاتِ، وَلا حِمَاكَ يُرَامُ
- قَدَرٌ عَدَتْ فيهِ الحَوَادِثُ طَوْرَها،
- وَتَجاوَزَتْ أقْدَارَها الأيّامُ
- فاذهَبْ كَما ذَهَبَتْ بساطعِ نُورِها
- شَمسُ النّهارِ، وَأعقَبَ الإظْلامُ
- لا تَبعُدَنّ، وَكَيفَ يَقرُبُ نَازِلٌ
- بالغَيبِ، تَفْنَى دونَهُ الأعْوَامُ
- وَلَقَدْ كَفَاكَ المَكْرُماتِ مُهَذَّبٌ،
- يُرْضِيكَ مِنْهُ النّقْضُ وَالإبْرَامُ
- حُزْتَ العُلاَ سَبْقاً، وصَلّى ثَانِياً،
- ثُمْ استَوَتْ مِنْ بَعْدِهِ الأقْدَامُ
- وَوَرَاءَ غَضْبَةِ يُوسُفَ بنِ مُحَمّدٍ
- سَطْوٌ يَفُلُّ السّيفَ وَهْوَ حُسَامُ
- رَبُّ الخَلائِقِ لَوْ تَكَلّفَ بَعضَهَا،
- لمْ يَستَطِعْها الغَيمُ، وَهوَ رُكامُ
- زَوّارُ أرْضِ الخالِعِينَ، إذا غَزَا
- رَتَعَتْ، وَرَاءَ رِمَاحِهِ، الأقْلامُ
- مُسْتَعْبِدٌ حُرَّ الأُمُورِ، يَقُودُهَا
- رَأيٌ لخَطْمِ الصّعْبِ مِنْهُ خِطَامُ
- أعْلى العُيُونَ، فَمَا بهِنّ غَضَاضَةٌ،
- وَشَفَى الصّدورَ، فَما بهِنّ سَقَامُ
المزيد...
العصور الأدبيه