الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> أقصر فإن الدهر ليس بمقصر >>
قصائدالبحتري
أقصر فإن الدهر ليس بمقصر
البحتري
- أقصِرْ، فإنّ الدّهرَ ليسَ بمُقْصِرِ
- حتّى يَلِفّ مُقَدَّماً بِمُؤخَّرِ
- أوْدَى بِلُقْمانَ بنِ عَادٍ، بَعدَما
- أوْدَتْ شَبيبتَهُ بسَبْعَةِ أنْسُرِ
- وَتَنَاوَلَ الضّحّاكَ مِنْ خَلْفِ القَنَا،
- وَالمَشْرَفيّةِ، وَالعَديدِ الأكثَرِ
- وَجَذيمَةُ الوَضّاحُ عَطّلَ تَاجَهُ
- مِنْهُ، وَأتْبَعَ تُبّعاً بالمُنْذِرِ
- وَإذا ذكِرْتَ بَني عُبَيْدٍ عَبّدوا
- حُرّ الدّموعِ للَوْعَةِ المُتَذَكِّرِ
- أكَلَتهُمُ نوَب الزّمَانِ، وَفَلّلَتْ
- مِنْ حَدّ شَوْكَتِهمْ صرُوفُ الأدهُرِ
- مِنْ بَعدِ مَا كانُوا كواكبَ طَيِّءٍ
- عَدَداً، غَدَوْا، وَهمُ أهلّةُ بُحتُرِ
- قَلّوا، وَمَا قَلّتْ صَوَاعقُ نَارِهِمْ،
- دَفْعاً بصَحْراءِ العَدوّ المُصْحِرِ
- وَأرَى الضّغائِنَ لَيسَ تَخبو مِنهُمُ
- في مَعشرٍ، إلاّ ذَكَتْ في مَعْشَرِ
- مَهْلاً بني شَمْلالَ، إنّ وُروُدكُمْ
- حَوْضَ التّقاطعِ غَيرُ سَهلِ المَصْدرِ
- ما بَالُكُمْ تَتَقاذَفُونَ بأعْيُنٍ،
- في لحظِها جَمْرُ الغَضَا المُتَسَعِّرِ
- تَتَجاذَبُونَ المَجدَ جَذبَ تَعَجرُفٍ،
- وَتَعَجْرُفُ الأمْجادِ بَعضُ المُنكَرِ
- إنّ التّنَازُعَ في الرّئَاسَة زَلّةٌ
- لا تُسْتَقالُ، ودعوّةٌ لمْ تُنْصَرِ
- أفْنَى أوَائلَ جُرْهُمٍ إفْرَاطُهُمْ
- فيهِ، وَأسرَعَ في مَقاوِلِ حِمْيَرِ
- فتَحاجَزُوا مِنْ قَبلِ أنْ تَتَحاجزُوا
- عَنْ مَنْهَلٍ صَافٍ، وَرَبْعٍ مُقْفِرِ
- حتى تَكَسّرَ أعْظُمٌ في جَابِرٍ،
- وَهْناً، وَتَسْهَرَ أعْيُنٌ في مُسْهِرِ
- وَتَذكّرُوا حرْبَ الفَسادِ، وَما مَرَتْ
- للأبْرَهينَ مِنَ الأُجَاجِ الأكْدَرِ
- نَقَلا جَديلَةَ عَنْ فَضاءٍ وَاسعٍ،
- وَحَدائِقٍ غُلْبٍ، وَرَوْضٍ أخضَرِ
- وَمِنَ العَجائِبِ أنّ غِلّ صُدورِكُمْ
- لمْ يُطْفَ للحَدَثِ الجَليلِ الأكْبَرِ
- لمُصِيبَةٍ بأبي عَبيدٍ أرْدَفتْ
- بِأبي حَمِيدٍ بَعْدَهُ وَمُبَشِّرِ
- وَلَوَ انّهُمْ مِن هَضّبِ أعفرَ ثَلّموا
- لَتَتابَعَتْ، قِطعاً، ذَوَائبُ أعفَرِ
- كانُوا ثَلاثَةَ أبحُرٍ أفْضَى بِهَا
- وَلَعُ المَنُونِ إلى ثَلاثَةِ أقْبُرِ
- وَأرَى شَميلاً للفَنَاءِ وَبَارعاً
- يَتَأوّدانِ، وَمَنْ يُعَمَّرْ يَكْبَرِ
- رَكِبَا القَنَا، مِنْ بَعدِ ما حَمَلا القنا
- في عَسْكَرٍ مُتَحَامِلٍ في عَسْكَرِ
- شَيْخانِ، قدْ ثَقُلَ السّلاحُ علَيهما،
- وَعَداهُمَا رَأيُ السّميعِ المُبصِرِ
- لا يُدْعَيَانِ إلى اخْتِتَالِ مُقَاتِلٍ،
- يَوْمَ اللّقَاءِ، وَلا احْتِيالِ مُدَبِّرِ
- مِنْ غائِبٍ عَمّا عَناكُمْ لمْ يَغِبْ،
- دَرَكَ العُيونِ، وَحاضرٍ لم يَحضُرِ
- أوَ مَا تَرَوْنَ الشّامِتِينَ أمَامَكُمْ،
- وَرَاءَكُمْ، مِنْ مُضْمِرٍ أوْ مُظهِرِ
- عَن غَيرِ ذَنْبٍ جِئتُمُوهُ سوَى عُلا
- زُهْرٍ، لجَدّكُمْ الأغَرِّ، الأزْهَرِ
- وَكأنّما شرَفُ الشّرِيفِ، إذا انتَمَى،
- جُرْمٌ جَنَاهُ عَلى الوَضِيعِ الأصْغَرِ
المزيد...
العصور الأدبيه