الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> أقصرا ليس شأني الإقصار >>
قصائدالبحتري
أقصرا ليس شأني الإقصار
البحتري
- أقْصِرَا! ليس شأنيَ الإقْصَارُ،
- وأقِلاّ! لَنْ يُغْنيَ الإكْثَارُ
- وَبنَفْسِي مُستَغَرَبُ الحُسنِ، فيهِ
- حَيَدٌ عَنْ مُحِبّهِ، وَازورار
- فاتِرُ النّاظِرَيْنِ يَنْتَسِبُ الوَرْ
- دُ إلى وَجْنَتَيْهِ، والجُلَّنَارُ
- مُذْنِبٌ يُكثِرُ التّجَنّي فَمِنْهُ الـ
- ذّنْبُ ظُلْماً، وَمِنّيَ الاعْتِذَارُ
- هَجَرَتْنا عَنْ غَيرِ جُرْمٍ نَوَارٌ،
- وَلَدَيْها الحَاجَاتُ والأوْطارُ
- وأقَامَتْ بجَوّ بِطْيَاسَ، حَتّى
- كَثُرَ اللّيْلُ دونَها والنّهَارُ
- إنْ جَرَى بَيْنَنَا وَبَيْنَكِ هَجْرٌ
- وْ تَنَاءَتْ مِنّا وَمِنكِ الدِيَارُ
- فالغَلِيلُ الذي عَلِمْتِ مُقِيمٌ،
- والدّمُوعُ التي عَهِدْتِ غِزَارُ
- يا خَليلَيّ نُمْتُما عَنْ مَبِيتٍ
- بِتُّهُ آنِفاً، وَنَوْمي مُطَارُ
- لَسَوارٍ مِنَ الغَمَامِ تُزَجّيـ
- ـهَا جَنُوبٌ كَمَا تُزَجّى العُشَارُ
- مُثْقَلاَتٍ، تَحِنُّ في زَجَلِ الرّعْـ
- ـدِ بِشَجْوٍ، كَمَا تَحنُّ الظُّؤارُ
- باتَ بَرْقٌ يَشُبُّ في حَجْرَتَيْها،
- بَعدَ وَهنٍ كَما تَشُبُّ النّارُ
- فاسْقِيَانِي، فَقَدْ تَشَوّفْتُ الرّا
- حِ، وَطابَ الصَّبُوحُ والابْتِكَارُ
- كَانَ عِنْدَ الصّيَامِ للّهْوِ وِتْرٌ،
- طَلَبَتْهُ الكُؤوسُ والأوْتَارُ
- بَارَكَ الله للخَليفَةِ في المُلْـ
- ـكِ الذي حَازَهُ لَهُ المِقْدَارُ
- رُتْبَةٌ مِنْ خِلاَفَةِ الله قَدْ طَا
- لَتْ بِهَا رَقْبَةٌ لَهُ، وانْتِظَارُ
- طَلَبَتْهُ فَقْراً إلَيْهِ، وَمَا كَانَ
- بِهِ، سَاعَةً، إلَيْهَا افْتِقَارُ
- أعوزت دونه القناعة حتى
- حشمت في طلابه الأسفار
- وهي موقوفة إلى أن يوافي
- غائب ما وفى به الحضار
- عَلِمَ الله سِيرَةَ المُهْتَدِي باللّـ
- ـهِ، فاخْتَارَهُ لِمَا يُخْتَارُ
- لمْ تُخَالِجْ فيهِ الشّكُوكُ، ولاَ كا
- نَ لوَحْشِ القُلُوبِ عَنْهُ نِفَارُ
- أخَذَ الأوْلِيَاءُ، إذْ بَايَعُوهُ
- بيَدَيْ مُخْبِتٍ، عَلَيْهِ الوَقَارُ
- وَتَجَلّى للنّاظِرِينَ أبِيٌّ،
- فيهِ عَن جانبِ القَبيحِ ازْوِرَارُ
- وأرَتْنَا السّجّادَ سِيمَا طَوِيلِ اللّـ
- ـيْلِ، في وَجْهِهِ لَهَا آثَارُ
- وَلَدَيْهِ تَحْتَ السّكينَةِ والإخْـ
- ـبَاتِ سَطْوٌ على العِدَى واقْتِدَارُ
- وَقَضَاءٌ إلى الخُصُومِ وَشِيكٌ،
- لاَ يُرَوّى فيهِا، ولاَ يُسْتَشَارُ
- رَاغِبٌ حينَ يَنطِقُ الوَفْدُ عن عَوْ
- نٍ برَأيٍ، أوْ حُجّةٍ تُسْتَعَارُ
- مُسْتَقِلٌّ، وَلَوْ تَحَمّلَ مَا حُمّـ
- ـلَ رَضْوَى لانْبَتّ حَبْلٌ مُغَارُ
- أيُّمَا خِطّةٍ تَعُودُ بِضُرٍّ،
- فَهْوَ للمُسْلِمِينَ مِنْهَا جارُ
- زَادَ في بَهْجَةِ الخِلاَفَةِ نُوراً،
- فَهْوَ شَمْسٌ للنّاسِ، وَهْيَ نَهَارُ
- وَأجَارَ الدّنْيَا مِنَ الخوْفِ والحيْ
- فِ، فَهَلْ يَشْكُرُ المُجِيرَ المُجَارُ
- ألتّقيُّ النقيُّ، والفاضِلُ المُفْـ
- ـضِلُ فِينَا، والمُرْتَضَى المُخْتَارُ
- وَلَدَتْهُ الشّمُوسُ مِنْ وَلَدِ العَـ
- ـبّاسِ عَمِّ النّبيّ والأقْمَارُ
- صَفْوَةُ الله، والخِيَارِ مِنَ النّا
- سِ جَمِيعاً، وأنتَ منها الخِيارُ
- أللُّبَابُ اللُّبَابُ يَنْمِيكَ مِنْهَا
- لذُرَى المَجْدِ، والنُّضَارُ النُّضَارُ
- فبِكُمُ قَدّمَتْ قُصَيّاً قُرَيْشٌ،
- وَبِهَا قَدّمَتْ قُرَيْشاً نِزَارُ
- زَيّنَ الدّارَ مَشْهَدٌ مِنْكَ كانتْ
- قَبْلُ تَرْضَاهُ مِنْ أبيكَ الدّارُ
- وأنَارَتْ لَمّا رَكِبْتَ إلَيْهَا،
- والمَوَالِي الحُمَاةُ، والأنصَارُ
- في جِبَالٍ مَاجَ الحَدِيدُ عَلَيْـ
- ـهنَّ ضُحًى، مِثْل َمَا تَمُوجُ البحارُ
- وَغَدَا النّاسُ يَنْظُرُونَ، وَفِيهِمْ
- فَرَحٌ أن رأَوْكَ واسْتِبْشَارُ
- طَلْعَةٌ تَمْلأُ القُلُوبَ، وَوَجهٌ
- خَشَعَتْ دونَ ضَوْئِهِ الأبصَارُ
- ذَكَرُوا الهَدْيَ من أبيكَ، وقالوا:
- هيَ تلكَ السّيما، وذاكَ النِّجارُ
- وَعَلَيْهِمْ سَكينَةٌ لَكَ، إلاّ
- مَدَّ أيْدٍ يُومَا بِهَا وَيُشَارُ
- بُهِتُوا حَيرَةً وَصَمْتَاً، فلَوْ قِيـ
- ـلَ أحِيرُوا مَقَالَةً مَا أحَارُوا
- وَقَليلٌ إنْ أكْبَرُوكَ لكَ الهَيْـ
- ـبَةُ مِمّنْ رَآكَ، والإكْبَارُ
- كُلُّهُمْ عَالِمٌ بأنّكَ فيهِمْ
- نِعْمَةٌ، ساعَدَتْ بهَا الأقْدارُ
- فَوَقَتْ نَفسَكَ النّفُوسُ من السّو
- ءِ، وَزِيدَتْ في عُمرِكَ الأعْمَارُ
المزيد...
العصور الأدبيه