الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> أصبا الأصائل إن برقة منشد >>
قصائدالبحتري
أصبا الأصائل إن برقة منشد
البحتري
- أصَبَا الأصَائِلِ إنّ بُرْقَةَ مُنْشِدِ،
- تَشكُو اختِلافَكِ بالهُبوبِ السّرْمَدِ
- لا تُتْعِبي عَرَصَاتِهَا، إنّ الهَوَى
- مُلْقًى عَلى تِلْكَ الرّسُومِ الهُمّدِ
- دِمَنٌ مَوَائِلُ كالنّجومِ، فإنْ عفتْ
- فبِأيّ نَجْمٍ في الصّبَابَةِ نَهْتَدِي
- وَالدّارُ تَعْلَمُ أنّ دَمعيَ لمْ يَغِضْ؛
- فأرُوحَ أحمِلَ مِنّةٍ مِنْ مُسْعِدِ
- قامَتْ تَعَجّبُ مِن أسايَ، وَأرْسلَتْ
- باللّحظِ في طَلَبِ الدّموعِ الشُّرّدِ
- مَا كانَ لي جَلَدٌ، فَيُودي، إنّما
- وأودَى، غَداةَ الظّاعنينَ، تجَلُّدي
- وَرَمَتْ سَوَادَ القَلبِ حينَ دنَتْ على
- عَجَلٍ، فأصْمَتْهُ بطَرْفٍ أصْيَدِ
- ما لي رَأيتُ النّاسَ مِنْ مُستَحسِنٍ
- قُبْحَ السّؤالِ، وَسَائِلٍ مُسترْفِدِ
- كَرُمَ الأميرُ ابنُ الأميرِ فأصبحَ الـ
- ـمُجْدَى إلَيهِ، وَهوَ عافٍ مُجتَدِ
- وَرَمَى العَدوَّ، فلَمْ يُقَصِّرْ سَهمُهُ
- حتّى تخضخض في رَميٍّ مُقصِدِ
- وَاهتَزّ في وَرَقِ النّدَى، فتَحَيّرَتْ
- حَرَكاتُ غُصْنِ البَانَةِ المُتَأوِّدِ
- عَقّادُ ألوِيَةٍ، تَظَلُّ لهَا طُلَى
- أعْدائِهِ، وَكَأنّهَا لَمْ تُعْقَدِ
- مَغمُوسَةٌ في النّصرِ، تجدو عن يدٍ
- مَمْلُوءَةٍ ظَفَراً، تَرُوحُ وَيَغتَدِي
- بَثَّ الفَوَائِدَ في الأبَاعِدِ وَالدُّنَى،
- حتّى تَوَهّمْنَاهُ مَخْرُوقَ اليَدِ
- يُعطي على الغَضَبِ المُتَعتِعِ، وَالرّضَا،
- وَعلى التّهَلّلِ، وَالعُبُوسِ الأرْبَدِ
- كالغَيْثِ يَسقي الخابطينَ بأبيَضٍ
- مِنْ غَيْمِهِ، وَبأحْمَرٍ، وَبأسْوَدِ
- يَستَقصِرُ اللّيلَ التّمامَ، إذا انتَحى
- بالخَيلِ ناحيَةَ العَدُوّ الأبْعَدِ
- لا ناهلَ الأجفانِ، إنْ كانَ الكَرَى
- خِمْساً لِصَادِيَةِ العُيُونِ الوُرّدِ
- ما ضَرّ أهْلَ الثّغْرِ إبْطَاءُ الحَيَا
- عَنهُمْ، وَفيهِمْ يوسفُ بنُ مُحمّدِ
- يَسَلُونَهُ، فَيكُونُ نَائِلُهُ الغِنى،
- وَيُقَصّرُونَ عَنِ السّؤالِ، فيَبتَدي
- إنْ ساسَهُمْ حدث، فساعَةُ رَأيِهِ
- كالدّهرِ، جَدّ الدّهرُ أوْ لم يَجدُدِ
- بادي سَماحٍ، غارَ في وَادي النّدَى
- لَهُمُ، فأنجَدَ في العَلاءِ المُنجِدِ
- وَنَضَا غِرَارَيْ سَيْفِهِ لِيُوَقّيَا
- طَرَفَيْهِم عِنْ كلّ خَطبٍ مُؤيِدِ
- فكَفَاهُمُ فِسْقَ المُوَحِّدِ أنْ سَعى
- فيهِمْ بإلإصلاح، وَشِرْكِ المُلحِدِ
- أوَما سَمِعْتَ بيَوْمِهِ المَشْهُودِ في
- لُكّامِهِمْ إنْ كُنتَ لَمّا تَشْهَدِ
- يَوْمَ الزَّوَاقيلِ الّذينَ تَقاصرتْ
- أعمارُهُمْ، فتَقَطّعَتْ عَنْ مَوْعِدِ
- شَهَرُوا عَلى الإسْلامِ حَدّ مَناصِلٍ،
- لَوْلا التِهابُ حُسامِهِ لَمْ تُغْمَدِ
- وتَوَقّدُوا جَمراً، فَسَالَ عَلَيهِمِ
- مِنْ بَأسِهِ سيل الغَمَامِ المُزْبِدِ
- حُمْرُ السّيُوفِ، كأنّما ضربت لهمْ
- أيدي القُيُونِ صَفائحاً مِن عَسجَدِ
- وَكأنّ مَشيَهُمُ، وَقد حملوا الظُّبا،
- مِنْ تحتِ سَقفٍ بالزّجَاجِ مُمَرَّدِ
- مَزّقْتَ أنْفُسَهُمْ بقَلْبٍ وَاحِدٍ،
- جُمِعَتْ قَوَاصِيهِ، وَسَيفٍ أوْحَدِ
- لمْ تَلْقَهُمْ زَحْفاً، وَلكِنْ حَملَةً
- جاءَتْ كضَرْبَةِ ثَائِرٍ لَمْ يُنْجَدِ
- في فِتْيَةٍ طَلَبُوا غُبارَكَ، إنّهُ
- كَرَمٌ تَرَفّعَ مِنْ طَرِيقِ السّؤدَدِ
- كالرّمحِ فيهِ بِضْعَ عشرَةَ فِقْرَةً،
- مُنْقَادَةً خَلْفَ السِّنَانِ الأصْيَدِ
- أطفأتَ جَمرَتَهُمْ، وَكانتْ ذا سنا
- وَالعُمْقُ بَعضُ حَرِيقِها المُتَوَقِّدِ
- وَالنّارُ، لَوْ تُرِكَتْ على ما أذكيت
- مِنْ خَلْفِها وَأمَامِهَا، لَمْ تَخْمَدِ
- وَقَعَدْتُ عَنكَ، وَلوْ بمهجَةِ آخَرٍ
- غَيرِي، أقُومُ إلَيهِمِ لَمْ أقْعُدِ
- ما كانَ قَلبك في سَوَادِ جَوَانحي،
- فأكونَ ثَمّ، وَلا لساني في يَدِي
- وَأنا الشّجاعُ، وَقد بدا لكَ مَوْقِفي
- بعَقَرْقَسٍ، وَالمَشْرَفِيّةُ شُهّدِي
- وَرَأيتَني، فرَأيتَ أعْجَبَ مَنظَرٍ،
- رَبَّ القَصَائدِ في القَنَا المُتَقَصِّدِ
- طَائِيُّكَ الأدْنَى أسَاءَ إسَاءَةً
- في أمْسِهِ المَاضِي، وَأحسنَ في غَدِ
- فاسلَمْ سَلامةَ عِرْضِكَ المَوْفورِ منْ
- صَرْفِ الحَوَادِثِ، وَالزّمانِ الأنكَدِ
- فلَقَدْ بنَيْتَ المَجدَ حتّى لوْ بَنَتْ
- كَفّاكَ مَجْداً ثانِياً لَمْ تُحْمَدِ
- وَجَعَلْتَ فِعْلَكَ تِلوَ قَوْلِكَ قاصراً
- عُمْرَ العَدُوّ بهِ، وَعُمْرَ الموْعِدِ
- وَمَلأتَ أحْشَاءَ العَدُوّ بَلابِلاً،
- فارْتَدّ يَحسُدُ فيكَ مَنْ لمْ يَحسُدِ
المزيد...
العصور الأدبيه