الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> أحبب إلي بطيف سعدى الآتي >>
قصائدالبحتري
أحبب إلي بطيف سعدى الآتي
البحتري
- أحْبِبْ إليّ بطَيْفِ سُعْدَى الآتي،
- وَطُرُوقِهِ في أعْجَبِ الأوْقَاتِ
- أنّى اهْتَدَيْتَ لمُحْرِمِينَ تَصَوّبوا
- لسُفُوحِ مكّةَ مِنْ رُبَى عَرَفاتِ
- ذَكّرْتَنَا عَهْدَ الشّآمِ، وَعَيْشَنَا
- بَينَ القِنان السود، وَالهَضَبَاتِ
- إذْ أنْتَ شَكْلُ مخالف وَموافقٍ،
- وَالدّهْرُ فيكَ مُمَانِعٌ وَمُؤاتِ
- لَوْلا مُكَاثَرَةُ الخُطُوبِ وَنَحْتُهَا
- مِنْ جانبيّ، لَكُنْتَ مِنْ حاجاتي
- فيئي إليك فقد تخون أسرتي
- حيف الردى وتحامل النكبات
- تِلْكَ المَنازِلُ ما تُمَتِّعُ وَاقِفاً
- بزَها الشّخوصِ، وَلا وَغى الأصْوَاتِ
- أبَني عُبَيدٍ، شَدّ ما احترَقتْ لكُمْ
- كَبِدي، وَفاضَتْ فيكُمُ عَبَرَاتي
- ألْقَى مكارِمَكُمْ شَجًى لي بَعدَكم،
- وَأرَى سَوَابقَ مَجدِكُمْ حَسَراتي
- شَرَفٌ تَفَاقَدَ وَارِثُوهُ، فأصْبَحوا
- أصْداءَ قَفْرٍ بالعَرَاءِ رفاتِ
- مِنْ بَعدِ ما بُنِيَتْ على جَبَلِ العُلا
- أحْسابُهُمْ، وَجرَوْا إلى الغَايَاتِ
- كانُوا هُمُ ثَبَجَ الجَميعِ لِطَيِّءٍ
- في أمْرِها، وَطَوَائِفَ الأشْتَاتِ
- لَنْ تُحْدِثَ الأيّامُ لي بَدَلاً بهِمْ،
- أيْهاتِ مِنْ بَدَلٍ بهِمْ أيْهَاتِ
- ذاكي حريق اثقبت شهباته
- في الجو مصعدة ومد فرات
- وَمُعَيّرِي بالدّهْرِ يَعلَمُ، في غَدٍ،
- أنّ الحِصَادَ وَرَاءَ كُلّ نَبَاتِ
- أبُنَيّ! إنّي قَد نَضَوْتُ بَطالَتي،
- فتَحَسّرَتْ، وَصَحوْتُ من سكَرَاتي
- نَظَرَتْ إليّ الأرْبَعونَ، فأصرَخَتْ
- شَيبي، وَهَزّتْ للحُنُوّ قَنَاتي
- وَأرَى لِداتِ أبي تَتابَعَ كُثْرُهُمْ،
- فمعضَوْا وَكَرّ الدّهْرُ نحوَ لِداتي
- وَمِنَ الأقارِبِ مَنْ يُسَرُّ بمِيتَتي
- سَفَهاً، وَعِزُّ حَيَاتِهِمْ بِحَيَاتي
- إنْ أبقَ، أوْ أهْلِكْ، فقَد نِلتُ التي
- مَلأتْ صُدورَ أقَارِبي، وَعُداتي
- وغَنّيْتُ نَدْمانَ الخَلائِفِ نَابِهاً
- ذِكْري، وَنَاعِمَةً بهِمْ نَشَواتي
- وَشَفَعْتُ في الأمْرِ الجَليلِ إلَيهِمِ،
- بَعْدَ الجَليلِ، فَأنجَحوا طَلِبَاتي
- وَصَنَعْتُ في العَربِ الصّنائعَ عندَهُمْ،
- مِنْ رِفْدِ طُلاّبٍ، وَفَكِّ عُنَاةِ
- فالآنَ إذْ نَاصَيْتُ أعْنَانَ العُلا،
- وَرَقِيتُ مِنْهَا أرْفَعَ الدّرَجَاتِ
- يَجرِي ليَدْخُلَ في غُبَارِ تَسَرّعي
- مَنْ لَيْسَ يَعْشُرُ في الرِّهانِ أناتي
- وَيَذيمُني مَنْ لَوْ ضَغَمْتُ قَبيلَهُ،
- يَوْمَ الفَخَارِ لَطَارَ في لَهَوَاتي
- جَدّي الذي رَفَعَ الأذانَ بِمَنْبِجٍ،
- وَأقَامَ فيهَا قِبْلَةَ الصّلَوَاتِ
- وَأبي أبُو حَيّانَ قَائِدُ طَيِّءٍ
- للرّومِ، تَحْتَ لِوَائِهِ المُنْصَاتِ
- وَوَليُّ فَتحِ الجِسرِ، إذْ أُغْرِي بهِ
- عَمْرٌ، وَفَاعِلُ تِلكُمُ الفَعَلاتِ
- وَخُؤولَتي، فالحَوْفَزَانُ، وَحاتِمٌ،
- وَالخالِدانِ الرّافِدانِ حُمَاتي
- ومن المعاشر أقدمون ومحدث
- طرف النباهة ريض المسعاة
- إذْ لم يكُنْ شرَفُ المَناسِبِ يُشترَى
- بالمَالِ في اللأوَاءِ وَاللَّزَبَاتِ
المزيد...
العصور الأدبيه