الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> أجز من غلة الصدر العميد >>
قصائدالبحتري
أجز من غلة الصدر العميد
البحتري
- أجِزْ منْ غُلّةِ الصّدْرِ العَميدِ،
- وَسَكِّنْ نَافِرَ الجائش الشَّرُودِ
- فَما جَزعُ الجَزُوعِ مِنَ اللّيالي
- بمُحْرِزِهِ، ولا جَلَدُ الجَلِيدِ
- جَحَدْنا سُهْمةَ الحَدَثانِ فينا،
- لَوَ أنّ الحقّ يبطُلُ بالجُحُودِ
- وَنُنْكِرُ أنْ تَطَرّقَنا المنايا،
- كأنّا قَدْ خُلِقْنا للخُلودِ
- فيا وَيْحَ الحوادِثِ كيْف تُعْطي
- شَقِيَّ القَوْمِ من حظِّ السعيدِ
- وَكيْفَ تجوزُ، إن همّتْ بحُكمٍ،
- فتحْمهلَ للْغَوِيّ عَلى الرّشيدِ
- وَمَا بَرِحَتْ صُرُوفُ الدّهرِ، حتى
- أرَتْنا الأُسْدَ قتْلى للقُرُودِ
- أُعَزّي الأرْيَحِيَّ أبَا عليٍّ
- على الخِرْقِ الأغَرِّ أبي سعيدِ
- وَمَا عَزّيْتُ إلاّ بحْرَ عِلْمٍ،
- نُطيفُ بفَيضِهِ، عن بحْرِ جودِ
- قَتِيلٌ لَمْ يُمَهِّلْ قَاتِلُوهُ
- مَدَى الأجَلِ المُوَقَّتِ في ثَمودِ
- تُدُورِكَ ثَارُهُ غَضّاً، ولَمّا
- يُؤخَّرْ لِلْتّهَدّدِ، والوَعِيدِ
- وكان السّيْفُ أدْنَى مِنْ ورِيد الْـ
- ـمُعِينِ عَلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ
- وَلَيْسَ دَمُ اللّعِينِ، وَإنْ شَفانا،
- كفيا عِنْدَنا لِدَمِ الشّهيدِ
- وَما أرْضَتْكَ من مُهَجِ الموَالي،
- غَداةَ رُزِئْتَهَا، مُهَجُ العَبيدِ
- فَلَوْ عَلِمَ القَتِيلُ، وَأيُّ عِلْمٍ
- لِمَيْتٍ، منْ ورَاء التُّرْبِ، مُودِ
- رَأى لأخِيهِ عَزْماً، أنْقذَتْنا
- صَريمتُهُ منَ التّلَفِ المُبِيدِ
- سَمَا بالخَيْلِ أرْسلاً لِسيما،
- فَمِنْ شوسٍ إلى الداعي، وَقُودِ
- فَما انْفكّتْ تجُولُ عليْهِ، حتى
- تدَهْدَأ رَأسُ جَبّارٍ عَنِيدِ
- إذا ما الحَيُّ أعْطَى في أخِيهِ الـ
- ـدّنِيئةَ فهْوَ كالمَيْتِ الفَقِيدِ
- ذكَرْتُ أخي أبا بكْرٍ، ففاضتْ
- دُموعٌ، غَيرُ مُعْوِزَةِ الجمودِ
- وَللْفَجْعِ العَتيقِ مُحرِّكاتٌ،
- مُهَيِّجَةٌ منَ الفَجْعِ الجَديدِ
- سَلامُ الله والسّقيا، سِجالاً،
- عَلى تِلْكَ الضّرَائِحِ وَاللحودِ
- رَزَايا منْ شُيوخِ الأزْدِ ألْقَتْ
- عَلَيْنَا كلَّ مُوهِنَةٍ، هَدُودِ
- نَصُكُّ لهَا الجِبَاهَ، إذا احتشمنا،
- حياءَ النّاس منْ لَطمِ الخُدودِ
- مبَاك نَسْتَزِيدُ الدّمْعَ مِنها،
- وَما للدّمْعِ فِيها منْ مَزِيدِ
- أقُولُ أبا عليٍّ طِبْتَ حَيّاً،
- وَمَيْتاً، تحْتَ أرْوِقَةِ الصّعِيدِ
- لقَدْ طَلَبَتْكَ من غُرّ المَرَاثي
- قَوَافٍ، مثْلُ أفْوَافِ البُرُودِ
- فَلا تبْعُدْ، فما كان المُرَجّي
- نَوالَكَ، مِنْ نَوالِكَ، بالبَعِيدِ
- هممْتُ بنُصرَةٍ، فعجِزْتُ عنها،
- وَأنْتَ تُرَادُ للخَطْبِ المُفيدِ
- وَلمّا لمْ أجِدْ للسّيْفِ حَدّاً
- أصُولُ بِهِ، نَصَرْتُكَ بالقَصِيدِ
المزيد...
العصور الأدبيه