الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> أجدك ما ينفك يسري لزينبا >>
قصائدالبحتري
أجدك ما ينفك يسري لزينبا
البحتري
- أجِدَّكَ مَا يَنْفَكُّ يَسرِي لزَيْنَبَا
- خَيَالٌ، إذا آبَ الظّلامُ تأوّبَا
- سرَى من أعالي الشّامِ يَجْلُبُه الكَرَى،
- هُبُوبَ نَسيمِ الرّوْضِ تَجلُبُه الصَّبَا
- وَمَا زَارَني، إلاّ وَلِهْتُ صَبَابَةً
- إلَيْهِ، وإلاّ قُلْتُ: أهْلاً وَمَرْحَبَا
- وَلَيْلَتَنَا بالجِزْعِ بَاتَ مُساعفاً،
- يُرِيني أنَاةَ الخَطْوِ، ناعمَةَ الصِّبَا
- أضَرّتْ بضَوْءِ البَدرِ، والبَدْرُ طالعٌ،
- وَقَامَتْ مَقَامَ البَدْرِ لَمّا تَغَيّبَا
- وَلَوْ كَانَ حَقّاً ما أتَتهُ لأطْفَأتْ
- غَليلاً، ولافتَكّتْ أسيراً مُعَذَّبا
- عَلمْتُكِ إنْ مَنّيتِ مَنّيتِ مَوْعداً
- جَهَاماً، وإنْ أبْرَقْتِ أبْرَقْتِ خُلَّبَا
- وَكنتُ أرَى أنّ الصّدُودَ الذي مضَى
- دَلالٌ، فَما إنْ كَانَ إلاّ تَجَنُّبا
- فَوَا أسَفي حَتّامَ أسْألُ مَانِعاً،
- وآمَنُ خَوّاناً، وأُعْتِبُ مُذْنبَا
- سأتني فُؤَادي عَنكِ، أو أتبَعُ الهَوَى
- إلَيكِ، إنِ استَعصَى فُؤاديَ أوْ أبَى
- أقُولُ لرَكْبٍ مُعْتَفينَ: تَدَرّعُوا
- على عَجَلٍ قَطْعاً منَ اللّيلِ غَيْهَبَا
- رِدُوا نائلَ الفَتحِ بنِ خَاقَانَ إنّهُ
- أعَمُّ نَدًى فيكُمْ، وأقْرَبُ مَطلَبَا
- هُوَ العَارِضُ الثَّجّاجُ، أخضَلَ جُودهُ،
- وَطَارَتْ حَوَاشِي بَرْقهِ فَتَلَهّبا
- إذا ما تَلَظّى في وَغًى أصْعَقَ العِدَى،
- وإنْ فَاضَ في أُكرُومَةٍ غمرَ الرُّبَا
- رَزِينٌ، إذا ما القَوْمُ خَفّتْ حُلُومُهمْ،
- وَقُورٌ، إذا ما حادثُ الدّهرِ أجْلَبَا
- حَياتُكَ أنْ يَلقاكَ بالجُودِ رَاضِياً،
- وَمَوْتُكَ أنْ يَلقَاكَ بالبأسِ مُغضَبَا
- حَرُونٌ، إذا عازَرْتَهُ في مُلمّةٍ،
- فإْن جئْتَهُ من جانبِ الذّلّ أصْحَبَا
- فَتًى لمْ يُضَيِّعْ وَجْهَ حَزْمٍ، وَلم يبتْ
- يُلاحظُ أعجازَ الأمُورِ تَعَقُّبَا
- إذا هَمّ لمْ يَقْعُدْ بهِ العَجْزُ مَقعَداً،
- وإنْ كَفّ لم يَذهَبْ بهِ الخَرْقُ مذهَبا
- أُعيرَ مَوَدّاتِ الصّدُورِ، وأُعطيَتْ
- يَداهُ على الأعداءِ نَصْراً مُرَهَّبَا
- وَقَيْنَاكَ صَرْفَ الدّهرِ بالأنفُسِ التي
- تُبَجَّلُ، لا نَالُوكَ أُمّاً وَلاَ أَبَا
- فَلَمْ تَخلُ من فَضْلٍ يُبَلّغُكَ التي
- تروم، وَمنْ رأيٍ يُرِيكَ المُغَيَّبَا
- وَمَا نَقِمَ الحُسّادُ إلاّ أصَالَةً
- لَدَيْكَ، وفعْلاً أرْيحيّاً مُهَذَّبا
- وَقَدْ جَرّبُوا بالأمسِ منكَ عَزِيمَةً
- فَضَلْتَ بها السّيفَ الحُسَامَ، المُجَرَّبَا
- غَداةَ لَقيتَ اللّيثَ، واللّيثُ مُخدِرٌ
- يُحَدّدُ نَاباً للّقَاءِ وَمُخْلَبَا
- يُحَصّنُهُ منْ نَهْرِ نَيْزِكَ مَعْقِلٌ
- مَنيعٌ، تَسَامَى غابة وَتَأشّبَا
- يَرُودُ مَغاراً بالظّواهِرِ مُكثَباً،
- وَيَحْتَلُّ رَوْضاً بالأباطِحِ مُعْشِبَا
- يُلاعِبُ فيهِ أُقْحُواناً مُفَضَّضاً،
- يَبِصُّ، وَحَوْذاناً على المَاءِ مُذْهَبَا
- إذا شاءَ غَادَى عَانَةً، أو غَدا عَلى
- عَقَائِلِ سِرْبٍ، إنْ تقنّصَ رَبرَبا
- يَجُرُّ إلى أشبالِهِ كُلَّ شَارِقٍ،
- عَبيطاً مُدَمًّى، أوْ رَمِيلاً مُخَضَّبَا
- وَمَنْ يَبْغِ ظُلماً في حرِيمِكَ يَنصرِفْ
- إلى تَلَفٍ، أو يتنَ خَزْيانَ، أخْيَبَا
- شَهدْتُ لقَدْ أنْصَفْتَهُ يَوْمَ تَنبَرِي
- لهُ مُصْلِتاً عَضْباً من البِيضِ، مِقضَبَا
- فلَمْ أرَ ضِرْغَامَينِ أصْدَقَ منكُمَا
- عرَاكاً إذا الهَيّابَةُ النّكسُ كَذّبَا
- هِزَبْرٌ مَشَى يَبغي هِزَبْراً، وأغلَبٌ
- منَ القَوْمِ يَغشَى بَاسلَ الوَجهِ أغلَبَا
- أدِلَّ بِشَغْبٍ ثُمّ هَالَتْهُ صَوْلَةٌ،
- رَآكَ لها أمضَى جَناناً، وأشغَبَا
- فأحجَمَ لَمّا لَمْ يَجدْ فيكَ مَطمَعاً،
- وأقدَمَ لَمّا لمْ يجدْ عَنكَ مَهرَبَا
- فَلَمْ يُغْنِهِ أنْ كَرّ نَحوَكَ مُقبلاً،
- وَلمْ يُنجِهِ أنْ حَادَ عَنكَ مُنَكِّبَا
- حمَلتَ عَليهِ السّيفَ لا عَزْمُكَ انثنى،
- وَلاَ يَدُكَ ارتَدّتْ، ولا حَدُّهُ نَبَا
- وكنتَ متى تَجمَعْ يَمِينَكَ تَهتِكِ الـ
- ـضّرِيبَةَ، أوْ لا تُبقِ للسّيفِ مَضرِبا
- ألَنْتَ ليَ الأيّامَ من بَعدِ قَسوَةٍ،
- وَعَاتَبتَ لي دَهرِي المُسِيءَ فأعْتَبَا
- وألْبَستَني النُّعمَى التي غَيّرَتْ أخي
- عَليّ، فأضحى نازِحَ الودِ، أجنَبَا
- فَلا فُزْتُ منْ مَرّ اللّيَالي بَرَاحَةٍ،
- إذا أنَا لم أُصْبحْ بشُكرِكَ مُتْعَبَا
- عَلَى أنّ أفْوَافَ القَوَافي ضَوَامِنٌ
- لشكرِكَ ما أبدَى دُجَى اللّيلِ كَوْكَبا
- ثَنَاءٌ تَقَصّى الأرْضَ نَجداً وغائراً،
- وَسَارَتْ بهِ الرُّكبانُ شَرْقاً وَمَغرِبا
المزيد...
العصور الأدبيه