الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> أتراك تسمع للحمام الهتف >>
قصائدالبحتري
أتراك تسمع للحمام الهتف
البحتري
- أتَرَاكَ تَسْمَعُ، للحَمَامِ الهُتَّفِ،
- شَجْواً، يكونُ كَشَجوِكَ المُستطرَفِ
- لله حُلْمٌ، يَوْمَ بُرْقَةِ ثَهْمَدٍ،
- يَهْفُو بِهِ بَينُ الغَزَالِ الأهْيَفِ
- أُنْسٌ تَجَمّعَ ثُمّ بَدّدَ شَمْلَهُ
- شَمْلٌ مِنَ الأُلاّفِ، غيرُ مُؤلَّفِ
- وَلَقَدْ وَقَفْتُ على الرّسومِ، فلَم أجد
- عَتَباً على سَنَنِ الدّموعِ الذُّرَّفِ
- وَسألتُها، حتى انجَذَبتُ، فلمْ تُصخْ
- فيها لدَعْوةِ وَاقِفٍ، مُستَوقِفِ
- دِمَنٌ، جَنَيتُ بها الهَوى من غُصْنِهِ،
- وَسَحَبتُ فيها اللّهوَ سَحبَ المِطَرفِ
- فلأجْرِيَنّ الدّمْعَ، إنْ لمْ تُجْرِهِ،
- وَلأعْرِفَنّ الوَجْدَ، إنْ لمْ تَعرِفِ
- وعأنا المُعَنَّفُ في الصّبَابَةِ وَالصّبَا،
- وَعَلَيهِما، إِنْ كنتُ غَيرَ مُعَنَّفِ
- عَجِبَتْ لتَفوِيفِ القَذالِ، وإنّما
- تَفْوِيفُهُ، لَوْ كانَ غَيرَ مُفَوَّفِ
- هَلاّ بكَيْتَ، وَقد رَأيتَ بُكاءَهُ،
- وَدَنِفتَ حينَ سَمِعتَ شجْوَ المْدنَفِ
- أقسَمتُ بالشّرَفِ الذي شَهدْتْ لهْ
- أُدَدٌ، ورَاثَةَ يوسُفٍ عَن يُوسُفِ
- وَبِهَوْلِ إبعادِ الهِزَبْرِ، فإنّهُ
- قَصَفَ العَدوَّ برَعْدِهِ المُتَقَصِّفِ
- ليُصَبّحَنّ الرّومَ جَيشٌ مُغْمدٌ
- للصّبْحِ في رَهَجانِهِ المُتَلَفِّفِ
- يَسوَدُّ منهُ الأفقُ، إن لم يَنسَدِدْ،
- وَتَمورُ فيهِ الشّمسُ إنْ لم تُكسَفِ
- لَوْ أنّ لَيْلى الأخيَليّةَ شَاهَدَتْ
- أطْرَافَهُ لَمْ تُطْرِ آلَ مُطَرَّفِ
- خَيْلٌ، كأمثالِ الرَّماحِ ، وَفِتيَةٌ
- مِثلُ السّيوفِ، إذا دُعينَ لمشرَفِ
- زُهْرٌ، إذا التَهَبَتْ بهمْ شُعَلُ الظُّبَا
- عِنْد اجتِماعِ الجَحفَلِ المُتَألِّفِ
- يَهْديهِمُ الأَسَدُ المُطاعُ كأَنهُ
- عِنْدَ اجتماعِ الجَحْفَلِ المُتأَلِّفِ
- عَمَرُوا القَنا في مَذحِجٍ، أوْ عامِرٌ
- في طَيِّءٍ، أوحاجبٌ في خِندِفِ
- كاللّيثِ، إلاّ أنّ هذا صائِلٌ
- بمُهَنّدٍ ذَرِبٍ، وَذاكَ بمِخصَفِ
- ثَبْتُ العَزِيمةِ، مُصْمَتُ الأحشاءِ في
- أهْوَالِ ذاكَ العارِضِ المُتَكشِّفِ
- مُستَظِهرٌ بذَخيرَةٍ مِنْ رَأيِهِ،
- يُمضَى الأمُورُ، وَبحرُهاُ لمْ يُنزَفِ
- إلاّ يَكُنْ كَهْلَ السّنينَ، فإنّهُ
- كَهْلُ التّجارِبِ في ضَجاجِ المَوْقِفِ
- تَبْدو مَوَاقِعُ رَأيِهِ، وكَأنّها
- غُرَرُ السّوَابقِ مِنْ يَفاعٍ مُشرِفِ
- وإذا استَعَانَ بخَطَرةٍ مِنْ فِكْرِهِ
- عَنَنٍ، فَسِترُ الغَيبِ لَيسَ بمُسجَفِ
- وَإذا خِطابُ القَوْمِ في الخَطبِ اعتَلى
- فَصَلَ القَضِيّةَ في ثَلاثةِ أحرُفِ
- في كلّ دَرْبٍ قَد أبَاتَ جَيادَهُ
- تَهْوِي هُوِيّ جَنادِبٍ في حَرْجَفِ
- جازَتْ على الجَوْزَاتِ، وَانكَدَرَتْ على
- ظَهْرٍ مِنْ الصّفصَافِ قاعٍ صَفصَفِ
- صَبّحْنَ من طَرْسُوسَ خَرْشَنَةَ التي
- بَعُدَتْ على الأمَلِ البعَيِد المُوجِفِ
- وَتَرَكْنَ ماوَةَ وهيَ مأوًى للصّدَى،
- مَشفُوعَةٌ بصَدى الرّياحِ العُصَّفِ
- وَعلى قَذاذِيَةَ انْحَطَطْنَ بِرَايَةٍ،
- أوْفَتْ بقادِمتي عُقابٍ مُنْكَشفِ
- جُزْنَ الخَصِيَّ، وقد تَقَحّمَ طالباً
- ثَأرَ الخَصِيّ برَكْضِ جِدٍّ مُقرِفِ
- بَهَتَتْهُ أهْوالُ الوَغَى، فلَوَ انّهُ
- عَينٌ لشِدّةِ رُعْبِهِ لمْ تَطْرُفِ
- يا يُوسُفُ بنُ محَمّدٍ ما أحْمَدَ الـ
- ـرّومُ انصِلاتَكَ بالحُسامِ المُرْهَفِ
- وَدّوا وَداداً لَوْ جدَعتَ أُنُوفَهُمْ
- جَدْعَ الرّؤوسِ، خلافَ جدعِ الآنُفِ
- خَطَبَتْ إلَيكَ السّلمَ رَبّةُ مُلكِهِمْ،
- أوْ كانَ يُطلَبُ نائلٌ منْ مُسْعِف
- وَكأنّني بكَ قَد أتَيتَ بعَرْشِها،
- وَالسّيفُ أسرَع هَيْبَةً مِنْ آصَفِ
- أنزَلْتَ بالإنْجيلِ ثُمّ بِأهْلِهِ
- ذُلاًّ أرَاهُمْ عِزَّ أهلِ المُصْحَفِ
- أسْخَطْتَهُ بالبَارِقاتِ، وَإنّمَا
- أرْضَيْتَهُ، لوْ كانَ غيرَ مُحَرَّفِ
- فَتْحٌ، سَبَقتَ بهِ الفُتوحَ، فجاءَ في
- ميلادِ مُلْكِ العاشِرِ المُسْتَخلَفِ
- يَوْمٌ مَحَا عَنْ أسوَدانَ سَوَادَ مَا
- فَعلَ النّبيُّ بكَعْبِ ابنِ الأشْرَفِ
- ليُكافِئَنّكَ عَنْ كِفايَتِكَ التي
- كانَتْ أمَانَ الدّينِ، بعدَ تخَوّفِ
- أكّدْتَ بَيْعَتَهُ، وَلمْ تَرْكَنْ إلى
- جَدَلِ السّفيهِ، وَلا كلامِ المُرْجِفِ
- أُيّدْتَ بالحَظّ الذي لمْ يَنْتَقِضْ،
- وَنُصِرْتَ بالفِئِة الَّتي لم تَضْعُفِ
- كَرَماً، دَعَتْكَ بهِ القَبائلُ مُسرِفاً،
- ما مُسرِفٌ في المَكْرُمات بمُسْرِفِ
- جَدٌّ كَجَدّ أبي سعيدٍ، إنّهُ
- تَرَكَ السِّمَاكَ، كأنّهُ لمْ يُشرِفِ
- قَاسَمْتَهُ أخْلاقَهُ، وَهْيَ الرّدى
- للمُعتَدي، وهْيَ النّدى للمُعْتَفي
- فإذا جَرَى مِنْ غايَةٍ، وجَرَيتَ مِنْ
- أُخرَى التَقَى شأوَاكما في المَنصَفِ
المزيد...
العصور الأدبيه