الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> البحتري >> أبر على الألواء نائلك الغمر >>
قصائدالبحتري
أبر على الألواء نائلك الغمر
البحتري
- أبَرَّ عَلى الألْوَاءِ نَائِلُكَ الغَمْرُ،
- وَبِنْتَ بفَخْرٍ مَا يُشاكِلُهُ فَخْرُ
- وَأنْتَ أمِينُ الله في المَوْضِعِ الّذِي
- أبَى الله أنْ يَسمو، إلى قَدرِهِ، قَدْرُ
- تحَسّنَتِ الدّنْيَا بعَدْلِكَ، فاغتدَتْ
- وَآفَاقُها بِيضٌ، وَأكنافُها خُضْرُ
- هَنيئاً لأهْلِ الشّامِ، إنّكَ سَائِرٌ
- إلَيْهِمْ مَسيرَ القَطْرِ، يَتبَعُهُ القَطْرُ
- تَفيضُ كمَا فاضَ الغَمامُ عَلَيْهِمِ،
- وَتَطلُعُ فيهِمْ مثلَما يَطْلُعُ البَدْرُ
- وَلَنْ يَعدَمُوا حَسناً، إذا كنتَ فيهمِ،
- وَكانَ لَهُمْ جادينِ: جُودُكَ وَالبحرُ
- مضَى الشّهرُ مَحمُوداً، ولوْ قال مخبراً
- لأثنى، بما أوْلَيتَ أيّامَهُ، الشّهْرُ
- عُصِمْتَ بتَقوَى الله وَالوَرَعِ الّذي
- أتَيتَ، فَلا لَغوٌ لديك وَلا هُجْرُ
- وَقَدّمتَ سَعياً صَالحاً لكَ ذِخْرُهُ،
- وَكلُّ الذي قدّمتَ من صَالحٍ ذُخْرُ
- وَحالَ عَليكَ الحَوْلُ بالفِطْرِ مُقبِلاً،
- فبِالْيُمْنِ وَالإيمانِ قابَلَكَ الفِطْرُ
- لَعَمرِي لقَد زُرْتَ المُصَلّى بجحفلٍ،
- يُرَفْرِفُ في أثْناءِ رَاياتِهِ النّصْرُ
- جِبَالُ حَديدٍ تحتَها الناسُ في الوَغى،
- وَفيها الضّرَابُ الهَبرُ وَالعَدَدُ الدَّثْرُ
- وَسِرْتَ بمُلْكٍ قَاهِرٍ وَخِلافَةٍ،
- وَما بكَ زَهْوٌ، بَينَ ذَينِ، وَلا كِبرُ
- عَلَيْكَ ثِيابُ المُصْطَفَى وَوَقَارُهُ،
- وَأنتَ بهِ أوْلى إذا حَصْحَصَ الأمْرُ
- عِمَامَتُهُ، وَسَيْفُهُ، وَرِداؤهُ،
- وَسيماهُ، وَالهَدْيُ المُشاكلُ، وَالنَّجرُ
- ولَمّا صَعِدْتَ المِنبَرَ اهتَزّ وَاكتَسَى
- ضِيَاءً، وَإشرَاقاً، كما سطَعَ الفَجرُ
- فَقُمْتَ مَقَاماً يَعْلَمُ الله أنّهُ
- مَقَامُ إمَامٍ، تَرْكُ طَاعَتِهِ كُفْرُ
- وَذَكّرْتَنَا، حَتّى ألَنْتَ قُلُوبَنَا،
- بمَوْعِظَةٍ فَصْلٍ، يَلينُ لهَا الصّخرُ
- بهَرْتَ عقُول السّامعينَ بخِطْبَةٍ،
- هيَ الزّهَرُ المَبثوثُ وَاللّؤلؤُ النّثْرُ
- فَمَا تَرَكَ المَنْصُورُ نَصرَكَ عِندَها،
- وَلا خانَكَ السَّجّادُ فيها وَلا الحَبرُ
- جُزِيتَ جَزَاءَ المُحسِنينَ عنِ الهُدَى،
- وَتَمّتْ لَكَ النُّعمَى، وَطالَ لك العمرُ
- إرَادَتُنا أنْ تُكمِلَ العَيشَ سالماً،
- وَتَبقَى عَلى الأيّامِ ما بَقيَ الدّهْرُ
- عَلى الله إتْمَامُ المُنَى فيكَ كلِّهَا،
- لَنَا، وَعَلَيْنَا الحَمدُ لله وَالشّكرُ
المزيد...
العصور الأدبيه