قصائدابن المعتز



لي صاحِبٌ قد لا مَني، وزادا،
ابن المعتز



  • لي صاحِبٌ قد لا مَني، وزادا،

  • في تَركِيَ الصَّبوحَ ثمّ عَادا

  • وقال: لا تَشرَبُ بالنّهارِ،

  • وفي ضِياءِ الفَجرِ والأسحارِ

  • إذا وشى بالليلِ صبحٌ ، فافتضحْ ،

  • وذكّرَ الطّائِرَ شَجوٌ، فصَدَحْ

  • و النجمُ في حوضِ الغروبِ واردُ ،

  • و الفجرُ في إثرِ الظلامِ طاردُ

  • ونَفَّضَ اللّيلُ على الوَرد النّدى ،

  • وحرّكتْ أغصانَهُ رِيحُ الصَّبا

  • و قد بدتْ فوقَ الهلالِ كرتهُ ،

  • كهامة ِ الأسودِ شابَتْ لِحيتُه

  • فنَوّرَ الدّارَ بِبعضِ نورِهِ،

  • و الليلُ قد أزيحَ من ستورهِ

  • وقَدّتِ المَجَرّة ُ الظّلامَا،

  • تحسبها في ليلها ، إذا ما

  • تنفسَ الصبحُ ، ولما يشتعل ،

  • بينَ النجومِ مثلَ فرقِ مكتهلِ

  • وقال: شُرْبُ الليلِ قد آذانَا،

  • و طمسَ العقولَ والأذهانا

  • وشكتِ الجنُّ إلى إبليسِ ،

  • لأنهمْ في أضيقِ الحبوشِ

  • أما تَرَى البُستانَ كيفَ نَوّرَا،

  • و نشرَ المنثورُ برداً أصفرا

  • و ضحك الوردُ على الشقائقِ ،

  • و اعتنقَ القطرَ اعتناقَ الوامقِ

  • في روضة ٍ كَحُلّة ِ العَروسِ،

  • و خدمٍ كهامة ِ الطاووسِ

  • و يا سمينٍ في ذرى الأغصانِ ،

  • مُنتظِماً كقِطَعِ العقيانِ

  • والسّروُ مثلُ قِطَعِ الزّبَرْجدِ،

  • قد استمَدَّ الماءَ من تُرْبٍ نَدي

  • وفَرشَ الخشخاشُ جَيباً وفَتق،

  • كأنه مصاحفٌ بيضُ الورق

  • حتى إذا ما انتشَرَتْ أوْرَاقُهُ،

  • و كادَ أن يرى إلينا ساقه

  • صارَ كأقداحٍ منَ البلورِ ،

  • كأنما تجسمتْ من نورِ

  • وبعضُه عُرْيانُ من أثوابهِ،

  • قد أخجلَ الأعينَ من أصحابه

  • تبصرهُ بعدَ انتشارِ الوردِ ،

  • مثلَ الدبابيسِ بأيدي الجندِ

  • و السوسنُ الآزرُ منشورُ الحلل ،

  • كقطنٍ قدْ مسهُ بعضُ البلل

  • نورَ في حاشيتيْ بستانهُ ،

  • و دخلَ البستانُ في ضمانه

  • و قدْ بدتْ فيهِ ثمارُ الكبرِ ،

  • كأنّها حمائمٌ منْ عَنبَرِ

  • وحلّقَ البهارُ فوْقَ الآسِ،

  • جمجمة ٌ كهامة ِ الشماسِ

  • حبالُ نَسيجٍ مثلُ شَيبِ النَّصفِ،

  • وجوهرٌ من زَهَرٍ مُخْتَلِفِ

  • وجلّنارٌ مثلُ جَمرِ الخَدَّ،

  • او مثلُ أعرافِ ديوكِ الهِندِ

  • والأقْحُوانُ كالثّنايا الغُرّ،

  • قد صقلت نوارها بالقطرِ

  • قُلْ لي: أهذا حسنٌ بالليلِ،

  • وَيليَ ممّا تشتهي وعَولي

  • وأكثرَ الفُصُولَ والأوْصَافا،

  • فقلتُ: قد جنّبْتُكَ الخِلافا

  • بتْ عندنا ، حتى إذا الصبحُ سفرْ ،

  • كأنّهُ جدولُ ماءٍ مُنفجِرْ

  • قمنا إلى زادٍ لنا معدَّ ،

  • و قهوة ٍ صراعة ٍ للجلدِ

  • كأنّما حَبابُها المنثورُ،

  • كواكبٌ في فَلَكٍ تدُورُ

  • ولا تَقُلْ لقدْ ألِفتُ مَنزِلي،

  • فتُفسِدَ القولَ بعُذرٍ مُشكِلِ

  • فقال: هذا أوّلُ الجُنونِ،

  • متى ثوى الضبُّ بوادي النونِ

  • دعوتُكمْ إلى الصَّبوحِ ثمّ لا

  • أكونُ فيه، إذ أجبتم ، أولا

  • لي حاجة ٌ لا بدّ من قضائها ،

  • فتستريحُ النفسُ من عنائها

  • ثمّ أجي والصبحَ في عنانِ ،

  • مِن قبلِ أن يُبدَأ بالآذانِ

  • ثمّ مضى يعدُ بالبكورِ ،

  • وهَزّ رأسَ فَرِحٍ مَسْرُورِ

  • فقمتُ منه خائفاً مرتاعا ،

  • وقلتُ: ناموا، ويحَكم، سِراعا

  • ونحنُ نُصْغي السمعَ نحوَ البابِ،

  • فلم نَجِدْ حِسّاً مِن الكَذّابِ

  • حتى تَبَدّتْ حُمرة ُ الصّباحِ،

  • وَأوجعَ النّدمانَ سوطُ الرّاحِ

  • وقامتِ الشّمسُ على الرّؤوسِ،

  • و ملكَ السكرُ على النفوسِ

  • جاءَ بوَجْهٍ بارِدِ التّبَسُّمِ،

  • مفتضحٍ لما جنى مدممِ

  • يَعْثُرُ وَسَطَ الدّارِ منْ حيَائِه،

  • و يكشفُ الأهدابَ منْ ورائه

  • تعَطعَطَ القَوْمُ به حتى بَدَر،

  • و افتتحَ القولَ بعي وحصر

  • لتأخذَ العينُ من الرقادِ

  • حظاً إلى تعلية ِ المنادي

  • فمسحتْ جنوبنا المضاجعا ،

  • و لم أكنْ للنومِ قبلُ طائعا

  • ثُمّة َ قُمنا والظلامُ مُطرِقُ،

  • والطّيرُ في أوكارِها لا تَنطِقُ

  • وقد تَبَدّى النّجمُ في سوَادِه،

  • كَحُلّة ِ الرّاهبِ في حِدادِه

  • وقال: يا قومُ اسمعوا كلامي،

  • لا تُسرِعوا ظُلماً إلى مَلامي

  • فجاءَنا بقِصّة ٍ كذّابَه،

  • لمْ يفتحِ القلبُ لها أبوابه

  • فعذرَ العنينَ يومَ السابعِ ،

  • إلى عروسٍ ذاتِ حظً ضائعِ

  • قالوا: اشرَبوا! فقلتُ: قد شَرِبنا،

  • أتيتنا ، ونحنُ قد سكرنا

  • فلمْ يزل من شأنهِ منفردا ،

  • يرفعُ بالكأسِ إلى فيهِ يدا

  • والقوْمُ من مُستَيقِظٍ نَشوَانِ،

  • أو غرقٍ في نومهِ وسنانِ

  • كأنهُ آخرُ خيلِ الحلبه ،

  • له من السواسِ ألفُ ضربه

  • مجتهداً كأنهُ قد أفلحنا ،

  • يطلعُ في آثارها مفتحا

  • فاسمَع، فإنيّ للصَّبوحِ عائَبُ،

  • عِنديَ من أخبارِهِ العَجائِبُ

  • إذا أردتَ الشُّرْبَ عند الفَجْرِ،

  • و النجمُ في لجة ِ ليلٍ يسري

  • و كانَ بردٌ بالنسيمِ يرتعدْ ،

  • و ريقهُ على الثنايا قد جمدْ

  • وللغُلامِ ضَجرَة ٌ وهَمهَمه،

  • وشَتمة ٌ في صَدرِه مُجمجمه

  • يمشي بلا رجلٍ من النعاسِ ،

  • ويدفُقُ الكأسَ على الجُلاّسِ

  • و يلعنُ المولى ، إذا دعاهُ ،

  • ووجهُهُ إن جاءَ في قَفاهُ

  • و غن أحسّ من نديمٍ صوتا ،

  • قال مجيباً طعنة ٍ وموتا

  • و إن يكنْ للقومِ ساقٍ يعشقُ ،

  • فجفنُهُ بجفنِهِ مُدَبِّقُ

  • ورَأسُهُ كمِثلِ فَرقٍ قد مُطِر،

  • و صدغه كالصولحانِ المنكسر

  • أعجَلَ مِن مِسواكه وزينتِه،

  • و هيئة ٍ تنظرُ حسنَ صورته

  • محمولة ٍ في الثوبِ والأعطافِ

  • كأنما عضّ على دماغِ ،

  • متهمُ الأنفاسِ والأرفاغ

  • فإن طردتَ الكأسَ بالسنورِ ،

  • وجِئتَ بالكانونِ والسَّمّورِ

  • فأيُّ فضلٍ للصبوحِ يعرفُ ،

  • على الغَبوقِ، والظلامُ مُسدِفُ

  • يَحُسُّ من رِياحهِ الشمائلِ،

  • صوارماً ترسبُ في المفاصلِ

  • وقد نَسيتُ شرَرَ الكانُونُ،

  • كأنهُ نثارُ ياسمينِ

  • يرمي بهِ الجمرُ إلى الأحداقِ ،

  • فإنْ ونى قرطسَ في الآماقِ

  • و تركَ النياطَ بعدَ الخمدِ ،

  • ذا نقطٍ سودٍ كجلد الفهدِ

  • وقطّعَ المَجلِسَ في اكتئابِ،

  • و ذكرِ حرقِ النارِ للثيابِ

  • ولم يَزَلْ للقوْمِ شُغلاً شاغِلا،

  • و اصبحتْ جبابهمْ مناخلا

  • حتى إذا ما ارتفعتْ شمسُ الضّحى

  • قيل : فلانٌ وفلانٌ قد أتى

  • و ربما كانَ ثقيلاً يحتشم ،

  • فطَوّل الكَلاَمِ حِيناً وجشَم

  • و زالَ عنا عيشنا اللذيذا

  • ولستُ في طول النّهارِ آمِنا،

  • ما حادِثٍ لم يَكُ قبلاً كائنا

  • أو خبرٍ يكرهُ ، أو كتابِ

  • يَقطَعُ طيبَ اللهِو والشّرابِ

  • فاسمَعْ ألى مَثالِبِ الصَّبوحِ،

  • في الصيفِ قبلَ الطائرِ الصدوحِ

  • حينَ حلا النومُ وطابَ المَضْجعُ،

  • وانحَسَرَ اللّيلُ، ولَذَّ المَهجَعُ

  • وانهَزَمَ البَقُّ وكنّ رُتّعاً،

  • عَلى الدّماءِ وارداتٍ شُرَّعا

  • من بعد ما قد أكلوا الأجسادا،

  • وطيّرُوا عنِ الوَرَى الرّقادا

  • فقربِ الزادَ إلى نيامٍ ،

  • ألسنهمْ ثقيلة ُ الكلامِ

  • من بعدِ أن دبّ عليهِ النملُ ،

  • وَحَيّة ٌ تَقذِفُ سُمّاً، صِلُّ

  • و عقربٌ ممدودة ٌ قتالهُ ،

  • وجُعَلٌ، وفارَة ٌ بَوّالَه

  • و للمغني عارضٌ في حلقهِ ،

  • ونفسُه قد قدحَت في حِذقِهِ

  • و إن أردتَ الشربَ عند الفجرِ ،

  • والصّبحُ قد سَلّ سيوفَ الحرّ

  • فساعة ٌ ، ثمّ تجيكَ الدامغه ،

  • بنارها ، فلا يسوغُ شائغه

  • ويَسخُنُ الشّرابُ والمِزاجُ،

  • ويكثُرُ الخِلافُ والضُّجاجُ

  • مِن مَعشرٍ قد جَرَعوا حَمِيماً،

  • و طعموا من زادهم سموما

  • و غيمت أنفاسهم أقداخهم ،

  • و عذبت أقداحهم أرواحهم

  • وأولِعوا بالحَكّ والتّفرّكِ،

  • و عصبُ الآباطِ مثلُ المرتكِ

  • وصارَ رَيحانُهُم كالقَتِّ،

  • فكلُّهم لكلّهم ذو مَقْتِ

  • وبَعضُهم يمشي بِلا رِجلَينِ،

  • وأذُنٍ كحُقّة ِ الدَّباقِ

  • وبعضُهُم مُحَمَرّة ٌ عيناهُ،

  • من السمومِ محرقٌ خداهُ

  • وبعضُهم عندَ ارْتفاعِ الشْمسِ

  • يحسّ جوعاً مؤلماً للنّفسِ

  • فإن أسرّ ما بِهِ تَهوُّسا،

  • ولم يُطِقْ من ضُعفِهِ تَنَفُّسا

  • و طافَ في أصداغهِ الصداعُ ،

  • ولمْ يكُنْ بمِثْلِهِ انْتِفاعُ

  • وكَثُرتْ حِدّتُهُ وضَجَرُه،

  • وصارَ كالحُمّى يطيرُ شَرَرُه

  • وهمّ بالعَرْبَدة ِ الوَحْشِيّه،

  • و صرفَ الكاساتِ والتحيه

  • وظهَرَتْ مَشَقّة ٌ في حَلقِه،

  • و ماتَ كلُّ صاحبٍ من فرقه

  • و إن دعا الشقيُّ بالطعامِ ،

  • خَيّطَ جَفنَيه على المَنامِ

  • وكلّما جاءت صلاة ٌ واجبه،

  • فسا عليها ، فتولت هاربه

  • فكَدّرَ العيشَ بيَوْمٍ أبْلَقِ،

  • أقطاره بلهوهِ لم تلتقِ

  • فمن أدامَ للشقاءِ هذا

  • من فعلهِ، والتذّه التِذاذا

  • لم يلفَ إلاّ دنسَ الأثوابِ ،

  • مهوساً ، مهوسَ الأصحابِ

  • فازدادَ سهواً وضنى وسقما ،

  • و لا تراهُ الدهرَ إلاّ قدما

  • و ذا يريدُ مالهُ وحرمتهْ

  • ذا شاربٍ وظفرٍ طويلِ ،

  • يُنغّصُ الزّادَ علَى الأكيلِ

  • و مقلة ٍ مبيضة ِ المآقي ،

  • و أذنٍ كحقمة ِ الدباقِ

  • وجسدٍ عليه جِلدٌ من وَسَخ،

  • كأنه أشربَ نفطاً ، أو لطخ

  • تخالُ تحتَ ابطِه، إذا عَرِق،

  • لِحيَة َ قاضٍ قد نَجا مِن الغَرَق

  • و ريقهُ كمثلِ طوقٍ من أدم ،

  • وليسَ من ترْكِ السّؤال يحتَشِم

  • في صدره من واكفٍ وقاطر

  • كأثرِ الذرقِ على الكنادرِ

  • هذا كذا وما تركتُ أكثرُ،

  • فجَرِّبُوا ما قُلتُهُ، وفَكِّرُوا



أعمال أخرى ابن المعتز



المزيد...

العصور الأدبيه

اغرب الرياضات في العالم لم تسمع عنها من قبل !

اغرب الرياضات في العالم لم تسمع عنها من قبل !



أهم 12 نصيحه عند شراء شقتك بالتقسيط