الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> أسامة بن منقذ >> أُعاتِبُ فيكَ الدّهرَ، لو أعتبَ الدّهرُ >>
قصائدأسامة بن منقذ
أُعاتِبُ فيكَ الدّهرَ، لو أعتبَ الدّهرُ
أسامة بن منقذ
- أُعاتِبُ فيكَ الدّهرَ، لو أعتبَ الدّهرُ
- وأستَنجِدُ الصَّبرَ الجميلَ، ولا صَبرُ
- وأسأل عن نهج السلو وقد بدا
- لَعينَيَّ، إلاَّ أنَّ مسلَكه وعرُ
- وكيف التسلي والحوادث جمة
- إذا ما انقضى أمر يسوء أتى أمر
- رمَتِنيَ في عشْرِ الثَّمانِينَ نكبة ٌ
- من الثكل يوهي حملها من له عشر
- على حينَ أفْنَى الدَّهرُ قَومي، ولم تَزَلْ
- لهم ذروة العلياء والعدد الدثر
- إذا حاربُوا فالأُسدُ تحمي عرينها
- وإن سالموا كان التبتل والذكر
- تُبيحُ وتَحمِي منذ كَانت سيُوفُهم:
- يُباحُ بها ثَغْرٌ، ويُحمى بها ثَغرُ
- مَضَوْا، وانطَوَتْ دُنياهُمُ، وتَصَرَّمتْ
- كأنَّهمُ ما عَمُروا، ولهَا نَشرُ
- فلم يبق إلا ذكرهم وتأسفي
- عليهم، ولَن يبقى التأسُّفُ، والذِّكرُ
- وأصبحتُ لا آلُ يُلبُّون دعوتي
- ولا وطنٌ آوِي إليه، ولا وفْرُ
- كأني من غير التراب فليس لي
- من الأرض ذات العرض دون الورى شبر
- رُزئتُ أبَا بكرٍ، على شَغَفِي به
- فيا لهفتا ماذا جني الحادث البكر
- لِسبعٍ مَضتْ من عُمرِه، غالَه الرَّدى َ
- وكنتُ أُرجّي أن يطولَ به العُمْرُ
- وقلتُ: عتيقٌ من خُطوبِ زِمانِه
- عتيقٌ بهذا يُخبرُ الفأْلُ والزّجْرُ
- فعاجله قبل التمام حمامه
- ولا عجبٌ، قد يُخْضَدُ الغُصُنُ النَّضْرُ
- ويأمرني فيه الأخلاء بالأسى
- وهيهات مالي بالأسى بعده خبر
- يَقولون: كَم هَذا البكاءُ، ولو بَدَا
- ضَميرُ الَّذي بي، رَقَّ لي، وبكَى الصّخرُ
- وكنتُ أظنّ الدّمعَ يُبْرِدُ غُلَّتِي
- إلى أن بَدا لي أنّ دمعَ الأسى جَمرُ
- أبا بكر ما وجدي عليك بمنقض
- طوال الليالي ما انقضى اليوم والشهر
- أطلت علي الليل حتى كأنما
- زماني ليل كله ماله فجر
- وإنِّي لأسْتَدعِي الكَرى ، وهو نافرٌ
- به من جُفوني أن يُلَّمِ بها ذُعر
- لعل خيالاً منك يطرق مضجعي
- فأشكو إليه ما رماني به الدهر
- تمثلك الأفكار لي كل ليلة
- وتؤنسني أشباهك الأنجم الزهر
- إذا لج بي شوق أتيتك زائراً
- فأرجعُ كالمخبولِ دلَّهَه السِّحرُ
- وماالقُربُ من قبرٍ أجَنَّكَ نَافعي
- إذا كان فيما بيننا للثرى ستر
- أقولُ لنفسي، حينَ جدَّ نِزاعُها
- عليك بحسن الصبر إن أمكن الصبر
- ألسَنا بني الموتَى ، إليهم مآلُنا
- بلا مِرْية ٍ، والفرعُ يَجذبُه النَّجْرُ
- فنحن كسفر عرسوا ووراءهم
- رِفاقٌ، إذا وافَوْهُمُ رحَل السَّفْرُ
- من الأرض أنشئنا وفيها معادنا
- ومنها يكون النشر والبعث والحشر
- هي الأم لا بر لديها وردنا
- إلى بطنها بعد الولاد هو البر
- ثكول ولا دمع لها إثر هالك
- وكلُّ رَقوبٍ ثاكلٍ دمعُها هَمْرُ
- أضلَّ الورى حبُّ الحياة ِ، فحازِمٌ
- خبيرٌ سواءٌ في الضَّلالة ِ والغِرُّ
- فلا يأمنَنْ غَدْرَ الليالِيَ کمنٌ
- وإن أمهلته إن إمهالها ختر
- تُعيرُ، وبالقَسرِ العنيفِ ارتجاعُها
- ولا خير في عاربة ردها القسر
- ونحنُ عليها عاكِفُون، وليسَ في
- مواهبها عقبى تسر ولا يسر
- فما بالنا في سكرة من طلابها
- ومنْ نَالها منَّا يَزِيْدُ به السُّكرُ
- مضَى مَن مضَى مِمَّن حَبته، فأكثَرتْ
- وراحته من كل ما جمعت صفر
- وما نال أيام الحياة من الغنى
- عن الفقر في يوم المعاد هو الفقر
- يحاسب عن قطميره ونقيره
- ولم يتبعه منه كثر ولا نزر
- وهذا هو الخُسرُ المبينُ، فما لنا
- حراص على أمر عواقبه خسر
- وقد كان في آبائِنا زاجرٌ لنا
- يبصرنا لو كان يردعنا الزجر
- تفانَوْا، فبطنُ الأرضِ مِن بعدِ وحشَة ٍ
- بهم آهِلٌ مَستأنِسٌ، وخلاَ الظَّهرُ
- وقد دَرَستْ آثارُهم وقبورُهم
- كما درسوا فيها فليس لها أثر
- فهل ليَ في هَذِي المواعِط وَاعِظٌ
- يُبرَدُ ما يُخفي من الكَمَدِ الصَّدرُ
- يَحُثُّ على الصَّبرِ الجميلِ، فإنَّه
- يُنالُ به حُسنُ المعُوضَة ِ والآجرُ
- ومَن نَزعَت أيدي المنية ِ مِن يَدي
- هو الذّخرُ لي، في يومِ يَنْفَعُنِي الذُّخْرُ
المزيد...
العصور الأدبيه