الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> أبو العتاهية >> الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ، >>
قصائدأبو العتاهية
الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ،
أبو العتاهية
- الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ،
- وقلَّ في الناسِ منْ يصفُو لهُ خُلُقُ
- لمْ يفلقِ المرءُ عن رشدٍ فيتركَهُ
- إلاّ دَعاهُ إلى ما يَكْرَهُ الفلَقُ
- الباطِلُ، الدّهْرَ، يُلْفَى لا ضِياءَ لَهُ،
- والحقُّ أبلجُ فيهِ النورُ يأتلِقُ
- متى يُفيقُ حَريصٌ دائِبٌ أبَداً،
- وَالحِرْصُ داءٌ لهُ تحتَ الحَشا قَلَقُ
- يستغنم الناسُ من قومٍ فوائدهمْ
- وَإنّما هيَ في أعناقِهِمْ رَبَقُ
- فيَجهَدُ النّاسُ، في الدّنيا، مُنافسة ً،
- وليسَ للناسِ شيءٌ غيرَ ما رُزِقُوا
- يا مَن بنى القَصرَ في الدّنْيا، وَشَيّدَه،
- أسّسْتَ قَصرَكَ حَيثُ السّيلُ وَالغرَقُ
- لا تَغْفُلَنّ، فإنّ الدّارَ فانِيَة ٌ،
- وشربهَا غصصٌ أو صفوهَا رنقُ
- والموتُ حوضٌ كريهٌ أنت واردُهُ
- فانظرْ لنفسكَ قبلَ الموتِ يا مَذِقُ
- اسْمُ العَزيزِ ذَليلٌ عِنْدَ مِيتَتِهِ؛
- وَاسْمُ الجَديدِ، بُعَيدَ الجِدّة ِ، الخَلَقُ
- يَبلى الشّبابُ، وَيُفني الشّيبُ نَضرتَهُ،
- كمَا تَساقَطُ، عن عيدانها، الوَرَقُ
- ما لي أرَاكَ، وَما تَنفَكّ من طَمَعٍ،
- يَمْتَدّ مِنْكَ إلَيْهِ الطّرْفُ، وَالعُنُقُ
- تَذُمّ دُنْياكَ ذَمّاً لا تَبُوحُ بِهِ،
- إلاّ وَأنْتَ لهَا في ذاكَ مُعْتَنِقُ
- فَلَوْ عَقَلْتُ لأعْدَدْتُ الجِهازَ لهَا،
- بعدَ الرحيلِ بهَا ما دامَ لي رمقُ
- إذا نَظَرْتَ مِنَ الدّنْيا إلى صُوَرٍ،
- تخَيّلَتْ لكَ يَوْماً فَوْقَها الخِرَقُ
- ما نَحْنُ إلاّ كَرَكْبٍ ضَمّهُ سَفَرٌ
- يَوْماً، إلى ظِلّ فَيٍّ ثُمّتَ افترَقُوا
- وَلا يُقيمُ على الأسْلافِ غابِرُهُمْ،
- كأنهمْ بهمِ مَنْ بعدهمْ لحقُوا
- ما هبَّ أو دبَّ يفنَى لا بَقاءَ لهُ
- والبَرُّ، والبَحرُ، وَالأقطارُ، وَالأفقُ
- نستوطِنُ الأرضَ داراً للغرورِ بِهَا
- وَكُلّنا راحِلٌ عَنها، وَمُنْطَلِقُ
- لَقَدْ رَأيْتُ، وَما عَيني براقِدَة ٍ،
- قتلَى الحوادثِ بينَ الخلقِ تخترقُ
- كمْ من عزيزٍ أذلَّ الموتُ مصرعَهُ
- كانَتْ، على رَأسِهِ، الرّاياتُ تختفقُ
- كلُّ امرء ولهُ رزقٌ سيبلغُهُ
- واللهُ يرزُقُ لا كيسٌ ولا حمقُ
- إذا نَظَرْتُ إلى دُنْياكَ مُقْبِلَة ً،
- فلا يغُرَّنْكَ تعظِيمٌ ولا مَلَقُ
- أخَيَّ إنَّا لنحنُ الفائزونَ غَدَا
- إنْ سلَّمَ اللهُ منْ دارٍ لهَا علقُ
- فالحمدُ للّهِ حمْداً لا انْقِطاعَ لَهُ،
- ما إنْ يُعَظَّمُ إلا مَنْ لَهُ ورقُ
- والحمدُ للهِ حمداً دائماً أبداً
- فازَ الّذينَ، إلى ما عِندَهُ، سَبَقُوا
- ما أغفلَ الناسَ عنْ يومِ انبعاثهمِ
- وَيوْمِ يُلجِمهُم، في الموْقِفِ، العَرَقُ
المزيد...
العصور الأدبيه