الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> أبوالعلاء المعري >> قِرانُ المُشتري زُحَلاً يُرَجّى >>
قصائدأبوالعلاء المعري
- قِرانُ المُشتري زُحَلاً يُرَجّى
- لإيقاظِ النّواظِرِ، من كَراها
- وهيهاتَ البريّةُ في ضَلالٍ،
- وقد فَطَنَ اللّبيبُ لما اعتراها
- وكم رأتِ الفَراقدُ والثّرَيّا
- قَبائلَ، ثمّ أضحَتْ في ثَراها
- تَقَضّى النّاسُ جيلاً بعدَ جيلٍ،
- وخُلّفَتِ النّجومُ كمَا تَراها
- قَراءُ الوحشِ، وهيَ مسوَّماتٌ،
- برَبّاتِ المَعاطِفِ من قِراها
- وما ظَلَمَ العَشيرَ ولا قِراهُ،
- ظليمُ المُقفِراتِ، ولا قُراها
- إذا رَجَعَ الحصيفُ إلى حِجاهُ،
- تَهاوَنَ بالمّذاهبِ وازدَراها
- فخذْ منها بما أدّاهُ لُبٌّ،
- ولا يَغمِسْكَ جَهلٌ في صَراها
- وهَتْ أديانُهم من كلِّ وَجهٍ
- فهل عَقلٌ يُشَدُّ بهِ عُراها؟
- أتَعلَمُ جارساتٌ في جبالٍ،
- أراها قبلَها سلَفٌ، أراها
- بما فيهِ المَعاشرُ من فَسادٍ،
- تَوارى في الجَوانحِ، أو وَراها
- قَضاءٌ من إلهِكَ مُستَمِرٌّ،
- غَدَتْ منهُ المَعاطِسُ في بُراها
- يحطُّ إلى الفَوادرِ، كلَّ حينٍ،
- منيعاتُ الفَوادرِ من ذَراها
- وما تَبقَى الأراقمُ في حِماها؛
- ولا الأُسْدُ الضّراغمُ في شَراها
- تَقدّمَ صاحبُ التّوراةِ موسَى،
- وأوقعَ، في الخَسارِ، من اقتراها
- وقالَ رِجالُهُ: وحيٌ أتاهُ؛
- وقالَ الظّالمونَ: بل افتراها
- أعِبرِيٌّ تَهَوَّكَ في حَديثٍ،
- فَباعَ المُشكِلاتِ، كما اشتراها
- وغاياتٌ بُسِطنَ إلى أُمورٍ،
- جراها الآجرونَ، كما جراها
- أرى أُمَّ القُرى خُصّتْ بهَجرٍ،
- وسارَتْ نملُ مكّةَ عن قِراها
- وكم سَرتِ الرّفاقُ إلى صَلاحٍ،
- فَمارَستِ الشّدائدَ في سُراها
- يُوافونَ البّنيّةَ، كلَّ عامٍ،
- ليُلقوا المخزياتِ على قُراها
- ضيوفٌ، ما قَراها اللَّهُ عَفواً،
- ولكنْ من نَوائبها قَراها
- وما سَيري إلى أحجارِ بَيتٍ،
- كؤوسُ الخَمرِ تُشرَبُ في ذَراها
- ولم تزَلِ الأباطحُ، منذُ كانتْ،
- يدنَّسُ، من فواجِرها، بُراها
- وبينَ يدَيْ جميعِ النّاسِ خَطبٌ،
- لَهُ نَسِيَتْ موَلَّعَةٌ غَراها
- مهالكُ، إنْ أجزْتَ الخَرْقَ منها،
- فأنتَ سُلَيكُها، أو شَنفراها
- بدَتْ كُرَةٌ، كأنّ الوقتَ لاهٍ
- بها، عزَّ المهَيمنُ إذْ كَراها
- تَبارَكَ مَن أدارَ بَناتِ نَعشٍ،
- ومَن بَرَأ النّعائِمَ في حَراها
- تَمارى القومُ في الدّعوى، وهبّوا
- إلى الدّنيا، فكلُّهُمُ مَراها
- وكم جَمَعَ النّفائس ربُّ مالٍ،
- فلمّا جَدّ مرتحلاً ذَراها
- تظَلُّ عيونُ هذا الدّهرِ خزْراً،
- تَعُدُّ الماشياتِ وخوزراها
- كتائبُ، مِنسَراها اللّيلُ يُتْلى
- بصبحٍ، كيفَ يُؤمنُ من سراها
- وأدواءٌ ثَوَى بُقْراطُ، مَيتاً،
- وجالينوسُ فادَ وما دَراها
- وما انفَكّ الزّمانُ بغيرِ جُرْمٍ،
- طَوائفُهُ تُطيعُ من ادّراها
- أهذي الدّارُ مُلكٌ لابنِ أرضٍ،
- بها رامَ المُقامَ أم اكتراها؟
- على كُرْهٍ تَيَمّمَها، فألقَى
- بها رَحْلاً، وعن سُخطٍ شراها
- وما بَرِحَ الوَجيفُ على المَطايا،
- وتلكَ نُفُوسُنا حتى براها
- إذا ما حُرّةٌ هُرِيَتْ وسِيفَتْ،
- فمَنْ سافَ الإماء ومن هَراها؟
- ونحنُ كأنّنا هملٌ بجَدْبٍ،
- عُراةٌ لا نُمكَّنُ من عَراها
- شبابُكَ مثلُ جِنحِ اللّيلِ، فانظرْ
- أعادَ إلى الشّبيبةِ مَن سَراها
- وما نالَ الهجينُ من المَعالي،
- إذا خطَبَ الكريمةَ، واستراها
- أنَرْهَبُ هذهِ الغبراءَ ناراً،
- تُطَبِّقُ مثلَ ما تُهوي سَراها؟
- فإنّ اللَّهَ غَيرُ مَلومِ فعلٍ،
- إذا أورى الوَقودَ على وراها
المزيد...
العصور الأدبيه