الأدب العربى >> الشعر >> العصر العباسي >> أبوالعلاء المعري >> أيا ديكُ! عُدّتْ من أياديكَ، صيحةٌ >>
قصائدأبوالعلاء المعري
أيا ديكُ! عُدّتْ من أياديكَ، صيحةٌ
أبوالعلاء المعري
- أيا ديكُ! عُدّتْ من أياديكَ، صيحةٌ
- بعَثتَ بها مَيتَ الكرى، وهو نائِمُ
- هتَفتَ، فقال الناسُ: أوسُ بنُ مُعيِرٍ،
- أو ابنُ رَباحٍ، بالمَحَلّةِ قائم
- لعَلّ بِلالاً هَبّ من طولِ رقدَةٍ،
- وقد بَلِيَتْ، في الأرض، تلك الرّمائم
- ونِعمَ أذِينُ المَعشَرِ ابنُ حَمامَةٍ،
- إذا سَجَعتْ، للذّاكرينَ، الحَمائم
- وفيك، إذا ما ضيّعَ النِّكسُ، غَيرَةٌ
- تُصانُ بها المُستَصحَباتُ الكَرائم
- وجُودٌ بموجودِ النّوالِ على التي
- حَمَيْتَ، وإنْ لم تَستَهِلّ الغَمائم
- يُزانُ لديكَ الطّعنُ في حومةِ الوغى،
- إذا زُيّنَتْ، للعاجزينَ، الهَزائم
- فلَو كنتَ بالدُّرّ الثّمينِ مُعوَّضاً
- من البُرّ، ما لامَتْ عليه اللّوائم
- وتُلقى، لديك، المنقِضاتُ نواصِعاً،
- يقالُ: غريباتُ البحارِ التّوائم
- رآها كباراً مَن بَراها، كأنّها
- تَريكُ نَعامٍ، أودَعَتْهُ الصّرائم
- وتُؤثِرُ، بالقُوتِ، الحَليلةَ، شيمةً
- كريميّةً، ما استَعمَلتها الألائم
- كأنَكَ فحلُ الشَّولِ، حولَكَ أينُقٌ
- عليها بُرىً، من طاعةٍ، وخَزائِمُ
- فتُلمَحُ، تاراتٍ، وتُغضي، كأنّها
- ضَرائرُ، سفّتْها، لديكَ، الخصائم
- فحُمرٌ وسودٌ حالِكاتٌ، كأنّها
- سَوامُ بني السِّيدِ، ازدهَتْه القوائم
- عليكَ ثيابٌ خاطَها اللَّهُ قادِراً،
- بها رَئِمَتْكَ العاطِفاتُ الرّوائم
- وتاجُكَ مَعقُودٌ، كأنّك هُرْمزٌ،
- يُباهي بهِ أملاكَهُ، ويُوائم
- وعَينُكَ سِقطٌ، ما خَبا عندَ قِرّةٍ،
- كلَمعةِ بَرْقٍ، ما لها، الدّهرَ، شائم
- وما افتَقَرَتْ يوماً إلى مُوقِدٍ لها
- إذا قُرّبَتْ، للمُوقِدين، الهَشائم
- وَرِثتَ هُدَى التذكارِ من قبل جُرهمٍ
- أوانَ تَرَقّتْ، في السّماءِ، النّعائم
- وما زِلتَ، للدّينِ القديمِ، دِعامةً،
- إذا قَلِقَتْ، من حامليهِ، الدّعائم
- ولو كنتَ لي، ما أُرْهِفَتْ لك مُدْيةٌ،
- ولا رامَ إفطاراً، بأكلِكَ، صائم
- ولم يُغْلَ ماءٌ كيْ تُمَزّقَ حُلّةٌ،
- حَبَتْكَ، بأسناها، العُصورُ القدائم
- ولا عُمتَ في الخمر، التي حالَ طَعمُها
- كأنّكَ في غَمرٍ، من السّيلِ، عائم
- ولاقَيتَ عندي الخيرَ، تحسَبُ عَيّلاً
- يُنافيكَ قَولٌ سيّىء، وشَتائم
- فإن كتَبَ اللَّهُ الجرائمَ، ساخِطاً،
- على الخَلقِ، لم تُكتَبْ عليك الجرائم
- فهلْ ترِدَنْ حوضَ الحياةِ، مبادراً،
- إذا حُلّئَتْ عَنهُ النّفوسُ الحوائِمُ
- وتَرْتَعُ ما بينَ النّبيئَينِ، ناعِماً
- بعيشَةِ خُلْدٍ، لم تَنَلْها السّمائم
- وأقوالُ سُكانِ البلادِ ثَلاثَةٌ،
- تَوالى علَيها عانِدٌ ومُلائم
- فقَوْلٌ جزاءٌ ما، وقولٌ تهاوُنٌ،
- وآخَرُ يُجزَى إنسُهُ لا البَهائم
- يَضارِعُنا مَن بَعدَنا في أُمورِنا،
- ونَمضي على العِلاّتِ، والفعلُ دائم
- وكلٌّ يوصّي النّفسَ، عندَ خُلّوهِ،
- بزُهدٍ، ولكنْ لا تَصِحُّ العزائم
- وأينَ فِراري من زماني وأهلِهِ،
- وقد غَصّ، شرّاً، نجدهُ والتّهائم؟
- وفي كلّ شهرٍ تصرَعُ الدّهرَ جِنّةٌ،
- فتُعقَدُ فيهِ بالهِلالِ التّمائم
- لهُ عُوَذٌ في كلّ شرقٍ ومغربٍ،
- رَعاها اليَماني الدّارِ والمُتَشائم
- أبَى القَلبُ إلاّ أُمّ دَفْرٍ، كما أبَى
- سوى أُمّ عمرٍو، موجَعُ القلبِ هائم
- هيّ المنتهَى والمَشتَهَى، ومعَ السُّهى
- أمانيُّ منها، دونهنّ العظائم
- ولم تَلقَنا، إلاّ وفينا تحاسدٌ
- عليها، وإلاَّ في الصّدورِ سخائم
- نزَتْ في الحشا ثمّ استَقلّتْ، فغادَرتْ
- جَماجمَ تَنزو، فوقهنّ، الغمائم
- وأيّامُنا عِيسٌ، وليسَ أزمّةٌ
- عليها، وخَيلٌ أغفَلَتها الشكائم
- وقد نسَيتْ حُسْنَ العهودِ، ومالها
- بَنانُ يَدٍ، فيه تُشدّ الرّتائم
- فإنْ سَكِرَتْ، فالرّاحُ فيها كثيرةٌ،
- ذوارِعُها والمُخرَزاتُ الحَتائم
- قسيماتُ ألوانٍ، سميحاتُ شيمةٍ،
- لها ضائعٌ ما طَيّبتْهُ القَسائم
- وما خِلَقُ البيضِ الحِسانِ حَميدَةً،
- إذا اشتَهَرَتْ أخلاقُهنّ الذّمائم
- وتَمضي بنا السّاعاتُ، مُضمِرَةً لَنا
- قَبيحاً، على أنّ الوُجوهَ وسائم
- نمَمْنَ بما يخفيهِ حيٌّ وميّتٌ،
- ومن شرّ أفعالِ الرّجالِ النّمائم
- يَعيشُ الفتى، في عُدمِه، عيشَ راغبٍ،
- ويُثري مُسِنٌّ، للمَعيشةِ، سائم
- وأنوارُ أعوامٍ مَضَينَ شَواهدٌ
- بما ضَمِنَتْهُ، بعدَهنّ، الكَمائم
المزيد...
العصور الأدبيه