قصائدنزار قباني



حوارٌ مع يدين أرستقراطيتين
نزار قباني



  • 1

  • بالرغم من نزعتي الراديكاليَّهْ

  • وتعاطفي مع جميع الثورات الثقافية في العالمْ

  • فإنني مضطرٌ أن أرفع قبّعتي

  • ليديْكِ البورجوازيتيْنْ...

  • المصنوعتين من الذَهب الخالصْ..

  • مُضْطَرٌ أن أعترف بنعومتها القصوى

  • وأنوثتها القصوى..

  • وسلطتِهما المطلقة على الماء والنَبَاتْ

  • والحَجَرِ والبَشَرْ..

  • ومضطرٌ أن أعترف بفضلهما

  • على حضارة الإغريقْ

  • وحضارة الفراعنَهْ

  • وحضارة ما بين النَهْرَيْنْ.

  • ومضطرٌ أن أعترفْ

  • بذكائهما حين تتكلَّمانْ

  • وبعمقهما حين تصمتان

  • وبحضارتهما...

  • حين تُمْسِكان إبريقَ الفضَّهْ

  • وتسكبان الشايَ في فنجاني...

  • يداكِ أرستقراطيتانِ.. بالوراثَهْ

  • كما الزُرَافَةُ ممشوقةٌ بالوراثَهْ

  • وكما البلبلُ موسيقيٌّ بالوراثَهْ

  • وأنا...

  • لستُ ضدُّ يديْكِ.. المرفّهتيْن.. المدلّلتيْنْ..

  • ولا أفكّرُ – حين أكونُ معهما-

  • بأيِّ مشاعرَ طبقيِهْ...

  • فأنا لا أخلطُ أبداً..

  • وبين ما أعتقد أنه جميلْ..

  • بين الأيديولوجيات التي ألمسها بذهني

  • والأيديولوجيات التي تنقّط حليباً وعسلاً

  • في راحة يدي...

  • بين روعة المبادئْ

  • وروعة يديْكِ المليستيْنْ

  • كأواني الأوبالينْ

  • وزجاج (غَاليهْ)...

  • 3

  • يداكِ ملوكيّتانْ..

  • وأنا لا أعرف كيف أجلس على طاولة الملوكْ

  • وما هي اللغةُ المستعملة في مخاطبة الملوكْ

  • إنني لم أعشقْ في حياتي مليكةً غيرك..

  • ولم أتورط مع امرأةٍ..

  • من صاحبات الدم الأزرقِ سواكِ...

  • فأنا واحدٌ من أفراد هذا الشعبْ

  • قلبُهُ ينبضُ كتفّاحةٍ حمراءْ

  • وأنفهُ يشمُ رائحةَ الأنثى

  • بصورةٍ بدائيّهْ...

  • فعلِّميني..

  • كيف أكون مهذَّباً مع يديكِ المُهذَّبتيْنْ..

  • علّميني كلمة السرّ التي توصل إلى كنوز يَدَيكْ

  • وعلميني كيف أستعملُ ملاعقَ الفضّهْ

  • وكيف أتسلّق السلالمَ العاجيَّهْ

  • وكيف أسند رأسي..

  • على المخدات المصنوعة من القطيفة وريش

  • العصافيرْ

  • يا ذاتَ اليدينْ اللتيْن تربَّتا في العزّ والدلالْ

  • علميني ماذا أقول لحَرَسِكْ؟

  • حتى يسمحوا لي بالدخول إلى قاعة العرشْ

  • لأقدِّمَ ولائي لأصابعكِ الخرافية التكوين

  • وأتلو صلواتي أمام أغلى شمعدانين من الفضّهْ

  • في تاريخ الكنائس البيزنطيَّهْ....

  • 4

  • يداكِ مثقَّفتانِ كثيراً..

  • وأُستاذتانِ في علم الجمالْ

  • وأذاكرُ جميعَ دروسي

  • وأدخلُ جميعَ امتحاناتي

  • وأنالُ جميعَ شهاداتي

  • برعايتهما، وحنانهما، ودَعَواتهما الصالحاتْ

  • فيا ذاتَ اليديْن اللتينِ أدينُ لهما بكل ما أعرفْ

  • لا تُخْبري أحداً..

  • أنَّ يديْكِ هما مصدرُ ثقافتي..

  • 5

  • زرتُ متاحفَ الدنيا

  • من اللوفر، إلى المتروبوليتان، إلى البرادو

  • ورأيتُ أروعَ الأعمال التشكيليَّهْ

  • ولكنني لم أشاهد مَنْحُوتةً

  • بَهَرَتْني أكثرَ من يَدَيْك...

  • 6

  • يداكِ مخطوطتانِ عربيّتان نادرتانْ

  • وكتابانِ .. ليس لهما نسخة ثانيَهْ

  • فلا تسحبي يَدَكِ من يدي

  • حتى لا أعودَ أُمِيّاً...

  • يداكِ أميرتانِ من العصر الوسيطْ

  • تركبانِ عربةً من الذَهبْ

  • فمتى يصبح النظامُ في وطني ديمقراطياً

  • لأتمكّن من مصافحة الأميرتينْ؟

  • 8

  • أن يَدَيْكِ تتردّدانِ على المقهى كلَّ يومْ

  • لتركوا فناجينَ قهوتهمْ

  • وشربُوا يَدَيْكِ...

  • 9

  • يقفُ المؤمنونْ

  • مبهورينْ...

  • وأقفُ أمامَ كنيسة يديْكِ..

  • حاملاً زيتي.. وشموعي..

  • علّني أحظى بمفاتيح الجنّةْ...

  • 10

  • وأنت تقرأينَ فنجاني

  • فأطمئنُّ على مستقبلي..

  • 11

  • يَدَاكِ سحابتانِ ربيعيّتانْ

  • لولاهُمَا..

  • لمات العالمُ عَطَشاً...

  • 12

  • من فيرجيل إلى رامبو..

  • ومن المتنبي إلى ماياكوفسكي

  • تبدو أمام كلام يديكِ الموهوبَتيْن

  • وكأنَّهما مُسودَّات لقصائدَ لم تكتمِلْ..

  • أصابعُ موزارتْ

  • توصلني إلى حالة انعدام الوزنْ

  • وأصابعكْ..

  • تُوصلني إلى اللهْ....

  • 12

  • كلّ قصائد الشعرْ

  • من فيرجيل إلى رامبو..

  • ومن المتنبي إلى ماياكوفسكي

  • تبدو أمام كلام يديكِ الموهوبَتيْن

  • وكأنَّهما مُسودَّات لقصائدَ لم تكتمِلْ..

  • 13

  • أصابعُ موزارتْ

  • توصلني إلى حالة انعدام الوزنْ

  • وأصابعكْ..

  • تُوصلني إلى اللهْ....



أعمال أخرى نزار قباني



المزيد...

العصور الأدبيه



ماذا يجب أن تعرف عند شراء شقتك؟