الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> نزار قباني >> الكَلِمَاتْ .. بينَ أسنان رجال المُخَابَراتْ .. >>
قصائدنزار قباني
الكَلِمَاتْ .. بينَ أسنان رجال المُخَابَراتْ ..
نزار قباني
- 1
- وأخيراً .. شَرَّفُوني .
- كان قلبي دائماً يُنْبِئُني ..
- أَنَّهُم آتونَ …
- كي يعتقلوا الكِلْمَةَ .. أو يَعْتَقِلُوني ..
- ولِذَا .. ما فاجأُوني .
- كَسَرُوا أبوابَ بيتي في جنيفٍ
- لَوَّثوا ثَلْجَ سويسرا ..
- ومراعيها .. وأسرابَ الحَمَامْ ..
- وتَحدَّوا وطنَ الحُبِّ ، وإنجيلَ السَلامْ .
- وَضَعُوا شِعْري بأكياسٍ ..
- فهلْ شاهَدْتُمُ ؟
- دولةً تَسْرُقُ عِطْرَ اليَاسَمينِ
- يا لها مِنْ غَزْوَةٍ مُضحِكةٍ
- سرقُوا حِبري ، وأَوراقي ، ولَمْ ..
- يسرُقُوا النارَ التي تحت جَبيني
- إنَّني أَسكنُ في ذاكرة الشَعْبِ ..
- فَمَا هَمَّ .. إذا هُم سَرَقُوني ؟؟…
- 2
- وأخيراً .. دَخَلُوا غُرْفَةَ نومي ..
- واسْتَبَاحُوا حُرُماتي
- بَعْثَرُوا أَغْطِيتي ..
- شَمْشَمُوا أحْذِيَتي ..
- فَتَحُوا أدْوِيَتي ..
- دَلَقُوا مَحْبَرتي ..
- رَقَصُوا فوقَ بياضِ الصَفَحَاتِ .
- غَزْوةٌ تافهةٌ جدّاً .. ككُلِّ الغَزَوَاتِ
- أيُّ عَصْرٍ عَرَبيٍّ ؟
- ذلكَ العصرُ الذي أفْتَى بِقَتْلِ الكَلِمَاتِ ؟
- أيُّ عَصْرٍ مَعْدَنيٍّ ؟
- ذلكَ العَصْرُ الذي يَفْزَعُ من صوت العصافيرِ ،
- وشَدْوِ القُبَّراتِ .
- أيُّ عَصْرٍ لا يُسمَّى ؟
- ذلك العصرُ الذي يَحْبِسُنَا
- خلفَ أَسْوار اللُّغَاتِ .
- أيُّ عَصْرٍ ماضَويٍٍّ .. فَوْضَويٍّ .. بَدَويٍّ ..
- قَبَليٍّ .. سُلْطَويٍّ .. دَمَويٍّ ؟.
- ذلك العصرُ الذي يُطْلِقُ النارَ عَلَيْنا
- ثُمَّ يرمي جُثُثَ الكُتَّابِ ..
- في قَعْر الدَوَاةِ ؟؟
- 3
- وأَخيراً .. بَلَغُوني ..
- أَنَّهُمْ كانُوا هُنَا ..
- فلماذا بَلَّغوني ؟
- إنَّني أعرِفُ بالفِطرَةِ أصواتَ بساطيرِ العَسَاكِرْ …
- وأنا أعرفُ بالفِطْرَةِ ،
- أوصَافَ ، وأَحْجَامَ ، وأسماءَ الخَنَاجِرْ ..
- جَهَّزوا جيشاً خُرافيَّاً
- لكي يَقْتَحِمُوا عُزْلَةَ شَاعِرْ ..
- تَرَكُوا خَلْفَهُمُ الرُومَ .. لكيْ
- يُعْلِنُوا الحَرْبَ على ريشةِ طَائِرْ ..
- قَدِمُوا من آخِرِ العَالَمِ ،
- حتَّى يسرُقُوا بَعْضَ الدَفَاترْ ..
- آهِ .. كَمْ هُم أغبيَاءْ .
- حينَ ظنُّوا أنَّهُمْ
- يَقْتُلُونَ الشِعْرَ إنْ هُم قَتَلُوني …
- لم أكُنْ أعرفُ ما حَجْمي ..
- إلى أَنْ هاجَمُوني ذاتَ لَيْلَهْ ..
- فتأكَّدتُ بأَنّي ..
- شاعرٌ يُرْعِبُ دَوْلَهْ …
- 4
- وأخيراً .. شَرَّفُوني
- لم يكونوا مِنْ بلاد البَاسكِ..
- أو من جيشِ إيْرلَنْدَا ..
- ولا هُمْ من عِصَاباتِ شيكاغُو ..
- إنَّني أعرِفُ مَنْ هُمْ غُرَمَائي ..
- فلماذا أرْسَلُوا خَلْفي كلابَ الصَيد كي تَنْهَشني ؟
- هل كلابُ الصَيدِ صارتْ ..
- تَتَسلَّى عندنا في أكْلِ لَحْمِ الشُعَراءِ ؟؟
- إنَّهُم يدرونَ أنَّ الشِعْرَ عندي .. هو فَنُّ الكِبْريَاءِ
- وهُمُ يدرونَ أنْ لا أحداً نَفَضَ الغَبْرَةَ عَن كَعْبِ حِذَائي ...
- وهُمُ يَدْرُون أنّي ..
- لم أُقَدِّمْ لسوى اللهِ وَلائي …
- 5
- وأخيراً .. شَرَّفُوني .
- حاولوا أن يَفْتَحُوا ثُقْبَاً بتاريخي
- وأَنْ يكْسِرُوا أنْفَ غُرُوري .
- نَبَشُوا أَصْلي . وفَصْلي . وجُذُوري.
- نَثَرُوا قُطنَ مِخَدَّاتي .. ونامُوا في سَريري .
- قَرَأُوا كلَّ رِسَالَهْ ..
- وبيانَاتِ المََصَارفْ .
- بَحثُوا عن ئبر نَفْطٍ .. كُنْتُ قد خَبَّأتُهُ تحتَ الشَرَاشِفْ !!
- حَاوَلُوا أن يَجدوني واقفاً في طوابير العَمَالَهْ ..
- أَعَميلٌ أجنبيٌّ ؟ بَعْدَما حَفَرَ الحُزْنُ دُرُوباً في جَبيني
- أَعَميلٌ أجنبيٌّ ؟ . بعدَما قدَّمْتُ رُوحي ..
- للمَلايينِ .. وقَدَّمتُ عُيُوني …
- 6
- حَاوَلُوا أن يُمْسِكُوني ..
- وأنا أرهُنُ في السوق السياسيِّ ، ثيابي ..
- حَاوَلُوا أن يضبِطُوني ..
- وأنا أقْبِضُ أتعابي على بَيْتٍ من الشِعْر كَتَبْتُهْ ..
- أو يُسمُّون إماماً واحداً كنتُ قَصَدتُهْ ..
- حَاوَلُوا أن يَجدُوا لي صورةً، وأنا أرقُصُ في ديوانِ كِسْرى
- أو أصبُّ الخَمْرَ في عُرْسِ ثريٍّ .. أو أميرِ ..
- لم أكُنْ يوماً من الأيَّامِ طَبَّالاً ..
- ولا زوَّرْتُ شِعْري .. وشُعُوري..
- كانَ شِعْري دائماً أكْبَرَ من كلِّ كبيرِ ..
- ليسَ عندي ذَهَبٌ .. أو فِضَّةٌ ..
- فرصيدي هو قلبي .. وضميري …
المزيد...
العصور الأدبيه