قصائدنجيب سرور



لزوم ما يلزم
نجيب سرور



  • -1

  • قد آن ياكيخوت للقلب الجريح

  • أن يستريح ،

  • فاحفر هنا قبراً ونم

  • وانقش على الصخر الأصم :

  • " يا نابشا قبرى حنانك ، ها هنا قلبٌ ينام ،

  • لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام ،

  • هذى العظام حصاد أيامى فرفقاً بالعظام .

  • أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان

  • إن عد فرسان الزمان

  • لكن قلبى كان دوماً قلب فارس

  • كره المنافق والجبان

  • مقدار ما عشق الحقيقة .

  • قولوا " لدولسين " الجميلة (1) ..

  • " أَخْطَابَ (2) " .. قريتى الحبيبة :

  • " هو لم يمت بطلاً ولكن مات كالفرسان بحثاً عن بطولة ..

  • لم يلق فى طول الطريق سوى اللصوص ،

  • حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص ..

  • فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص ! " .

  • -2

  • - ها أنت تقفز للنهاية ،

  • - هلا حكيت من البداية .

  • - ولمن أقول ؟ !

  • - هذى صفوف السنط والصبار تُنصت للحكاية :

  • - ألها عقول ؟

  • - ماذا يضيرك .. أَلْقِ ما فى القلب حتى للحجر ،

  • أو ليس أحفظُ للنقوش من البشر ؟ !

  • -3

  • يا سيداتى يا أميراتى الحسان ..

  • أن لن أقول لكن ما أسْمى بين فرسان الزمان ،

  • ولتنطق الأفعال من قبل اللسان ..

  • ... ... ... ... ... ...

  • من أين أبدأ والظلام ،

  • يلتفت فى أقصى الوراء وفى الأمام !

  • عرجاء حتى الذاكرة ..

  • والذكريات !

  • يا سيداتى معذرة ..

  • أنا لا أجيد القول ، قد أُنْسِيتُ فى المنفى الكلام ،

  • وعرفتُ سرَّ الصمت .. كم ماتت على شفتى فى المنفى الحروف !

  • الصمت ليس هنيهةً قبل الكلام ،

  • الصمت ليس هنيهة بين الكلام ،

  • الصمت ليس هنيهة بعد الكلام ،

  • الصمت حرف لايُخَط ولا يقال ..

  • الصمت يعنى الصمت .. هل يغنى الجحيم سوى الجحيم ؟ !

  • عجباً .. أتضحك من كلامى السيدات .

  • " مم الضحك ؟ ! "

  • -4

  • - " الماء قد فسرته بالماء بعد الجهد لاتيأس وحاول من جديد ..

  • كيخوت لاتصمت .. أليس الصمت - قلت - هو الجحيم !

  • - " لا .. بل فقلن الصمت موت ، أو ليس الموت صمتْ ؟ !

  • الحرف مثل النبت .. هل يحيا بغير الأرض نبتْ ؟ !

  • ولكل نبت أرضه المعطاء ليس يعيش فى أرض سواها ..

  • الحرف يذبل يا أميراتى الحسان ..

  • ويموت لو ينفى ، وينسى لايمر على لسان !

  • حلفتكن بكل غال ،

  • هل ما تزال ..

  • فيكن واحدة تخمن من أنا ؟ ! "

  • -5

  • من أنت ؟ .. تطعنك العيون ،

  • وتظل تنزف ، والسنون ..

  • تمضى كأسراب السحاب ..

  • فى الصيف .. تبخل بالجواب ! .

  • من أنت .. ؟ .. لاتدرى .. وتدرى ما العذاب !

  • ما غربة الضفدع فى الأرض الخراب

  • ما ضيعة البولة فى الحمام والبصقة فى يوم المطر !

  • -6

  • " حدقن .. أمعن النظر ..

  • هذا حصانى جائزة ..

  • تُهدى لمن منكن تذكر من أنا ! ..

  • تضحكن ثانية أميراتى الحسان !

  • بعيونكن ألا فقلن ..

  • أمن الحصان على الهزال ..

  • تضحكن .. أم منى على سخف السؤال ؟ ! "

  • -7

  • - قدم اليهن البطاقة !

  • - ما من بطاقة .

  • - قدم اليهن الجواز !

  • - ما من جواز .

  • لا وشم حتى فوق زند أو ذراع !

  • - يا للضياع !

  • وتظل تنهشك الوحوش ،

  • هذى العيون الخاليات من الرموش !

  • لو كان يعرف بالقلوب الناس لم يصفعك دوماً بالسؤال ..

  • - كل ابن كلب -

  • " من أنت ؟ " .. كالقفاز فى عينيك يرمى بالسكين قلب !

  • وترى الكلاب تتيه كالفرسان .. والفرسان أضيع من كلاب !

  • - يا .. كلاب ..

  • كبدى خذوه ..

  • يا ناهشى الأكباد هاكُمْ فانهشوه ،

  • وليرحم اللّه الضحايا .. يرحم اللّه الضحايا !!

  • - لا .. لا تبالغ .. ما لهذا الحد أنت لهم ضحية

  • أخطأت أنت كما هم أخطأوا ..

  • أو علَّ سرا ثالثاً خلف الخطأ !

  • انا لتعجزنا الحياة ..

  • فنلومها .. لا عجزنا ،

  • ونروح نندب حظنا ،

  • ونقول : هذا العصر لم يخلق لنا !

  • - هو عصرنا !

  • - لكننا لسنا به الفرسان ..

  • نحن قطيع عميان يفتش فى الفراغ عن البطولة ،

  • والأرض بالأبطال ملأى حولنا !

  • - ملأى .. ولكن باللصوص !

  • - الكأس حقاً نصف فارغة فماذا لو ترى النصف الملىء ؟ !

  • لو لم تكن فى العالم الأضداد ما قلنا : " عظيم أو قمىء " !

  • - إنى لأعلم .. غير أن الزيف يغتال الحقيقة !

  • أقرأت يوما فى الحكايات القديمة ،

  • عن غادة حسناء فى أنياب غول ؟ !

  • أرأيت يوما ضفدعه ..

  • ما بين فكى أفعوان ؟!

  • من ها هنا بدء الحكاية

  • يا قريتى .. يا عالمى ..

  • يا عالمى .. يا قريتى .. !!

  • -8

  • " ياسيداتى يا أميراتى الحسان ..

  • إنى أتيتُ إلى الوجودِ كما يجىءُ الأنبياء !

  • لا .. لست أنتحل النبوَّة ، غير أنى مثلهم ،

  • فى مذود يوما ولدت !

  • فى قريتى " أخطاب " .. حيث الناس من هول الحياة ،

  • موتى على قيد الحياة !

  • لا الأرض غنت لى ، ولا صلت لِمَقْدَمِىَ النجوم ،

  • ولا السماء تفتحت عن طاقةِ القدر السعيد ،

  • ولا الملائك باركوا مهدى ..

  • ولا هبطت تُصَفّق فوق رأسى بالجناحين حمامة !

  • قالوا : غراب ظل ينعق يومها فوق النخيل ..

  • حتى الفجر !

  • وعرفت أن الشمس لم تعبر بقريتنا .. ولا مر القمر ..

  • بدروبها من ألف جيل

  • ولا العيون تبسمت يوماً لمولود ولا دمعت لانسان يموت ..

  • فالناس من هول الحياة ..

  • موتى على قيد الحياة !

  • -9

  • وظهيرة .. آويت من لفح الهجير ،

  • لظلال صفصاف يُطِلُّ على غدير ،

  • وجلست محزوناً أنقل فى المدى بصرى .. فحط على الحقول ،

  • وعلى بيوتِ الطينِ ، والقصر الكبير ،

  • وعلى القبور ،

  • وأنا أدندن أغنية :

  • " يا بهية وخبرينى ع اللى قتل ياسين " !

  • وسمعت ضفدعة بقربى تستجير ..

  • كانت بفكَّىْ أفعوان !

  • عبثاً هُرِعْتُ بغصن صفصاف ، فقد فات الأوان ،

  • غابت وغاب الأفعوان :

  • ما غصن صفصاف بمعركة الأفاعى والضفادع ؟ !

  • -10

  • يا سيداتى .. يا أميراتى الحسان ..

  • وحفظت فى الكتاب آيات الكتاب ،

  • عن ظهر قلب .

  • ونسيتها عن قلب ظهر !

  • إلا علامات على جسمى لضرب .

  • - بهراوة عمياء - مثل بقية الوشم القديم ،

  • وغراب هابيلَ وقابيلَ ، وفأساً للخليل ،

  • والفعل - فعل الأمر - " اقرأ ! "

  • فقرأت ما ألقت به الأيام بين يدى : أدهم ..

  • والزير سالم ، والهلالى ، وابن ذى يزن وعنتر ..

  • ياسيداتى .. ثم نادانى من الأعماق صوت :

  • " قَرَّباَ مربط النعامة منى ..

  • لم أكن من جناتها علم اللّه وانى بحرها اليوم صالى " !

  • -11

  • لكنهم قتلوا النعامة !

  • كم مرة بالنوق جاءوا ، أجحروا القرية من قبل المغيب ،

  • كم مرة قصوا بمقراض الحمير ..

  • قصوا الشوارب والشعور ،

  • ولحى الشيوخ ، وأطلقوا الكرباج يَرْتَعُ فى الظهور ،

  • كم مرة هجموا بيوت الطين ، داسوا بالنعال على الحبالى

  • أوسعوا المرضع ضرباً والرضيع ،

  • كم مرة غنت بهية ..

  • ياسينها المقتول من فوق الهجين !

  • ياهول معركة الأفاعى والضفادع .

  • -12

  • ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..

  • ورحلت يوماً للمدينة ،

  • فى ركبِ قافلةٍ ممزقةٍ حزينة

  • كُنّا أَهَلْنا فوق أمى آيتين من الكتاب ، وكومتين من التراب ..

  • وقالبىْ طوب وطبعاً ما تيسر من دموع !

  • لافرق يا أخطاب بينك والمدينة ،

  • غير المداخن والمآذن والقلاع الشاهقة ،

  • غير الزحام ،

  • وضجيج آلاف الطبول ،

  • ونذير أجراس الترام .

  • يا سيداتى.. يا أميراتى الحسان ،

  • وهنا البغايا كالذباب بغير حصر ،

  • ومشاتل البوليس والمتسولين بكل شبر ،

  • وقوافل جَوْعَى تهيمُ من الرصيف إلى الرصيف ..

  • حيرى تفتش عن رغيف !

  • والسوق لاتغفو .. تضج من الصباح إلى الصباح :

  • ( من يشترى ؟ - وبكم تبيع ؟ !

  • يفتح اللّه - اتفقنا ! - يابلاش ! )

  • وهنا يباع ويشترى ..

  • ياسيداتى .. كل شىء !

  • حتى الترام يباع فى وضح النهار ..

  • للقادمين من القرى .. !

  • يادفتر الأرقام ما ثمنى ؟! أنا مثل التراب بلا ثمن ..

  • لاشىء بالمجان غير الموت .. لكن .. لامفر من الكفن !

  • -13

  • كيخوت مهلاً .. ما هناك ؟

  • بحر من المتظاهرين هديره شق السماء ،

  • بالموت .. بالموت الزؤام .. أو الجلاء ؟

  • كيخوت .. ما الموت الزؤام .. وما الجلاء ؟

  • من هؤلاء ؟ !

  • ما هؤلاء ؟ !

  • وإذاك بين الموج تطفو كى تغوص ،

  • وتغوص كى تطفو - صغيراً أنت كنت - !

  • ما غير هذا حوت يونس ،

  • ما غير هذا .. أنت توشك تختنق !

  • وصرخت ياكيخوت بالموت الزؤام وبالجلاء ..

  • حتى لُفظت إلى الرصيف ،

  • فجعلت تهتف من هناك ..

  • وبمثل صوت الضفدعه ،

  • كيخوت وحدك .. بالرغيف ..

  • وسقوط " باشا " كان فى اخطاب فى القصر الكبير ،

  • واذا بكف كالجبل ..

  • تهوى عليك .. على قفاك ..

  • كى تنكفىء ..

  • فوق الرصيف !

  • كيخوت فانهض .. هل ترى ؟ !

  • هجم العساكر .. بالألوف على الألوف ،

  • جاءوا كما الطوفان لا بالنوق بل بمصفحات ..

  • ومدرعات .

  • محفوظة ياقريتى .. فالنوق من لحم ودم ،

  • لا من حديد !

  • حوتان يقتتلان .. أيهما يكون المنتصر ؟ !

  • ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..

  • من يومها أدركت ما الموت الزؤام وما الجلاء ..

  • فالموت فى الميدان أكوام كحقل القمح فى يوم الحصاد

  • يا قريتى .. ها أنت مثل مدينتى ..

  • كِلْتَاكُما فى الهم .. فى البلوى .. سواء !

  • -14

  • ووجدتنى فى غابة سوداء (3) .. آلاف الكتب .

  • يا رحلة فى صحبة البومة والذئب .. وآوى .. وابن آوى !

  • والقرد والتمساح والجحش ، وذى القرنين والقرن الوحيد !

  • الحرف أنت . كما تكون يكون .. أى الناس أنت ؟ !

  • الحرف قديس - إذا ما كنت قديساً - وداعر ..

  • ان كنت بين الناس داعر !

  • يا غابة الأقلام .. ياسوق الضمائر !

  • - ما أنت أول فارس .. ما أنت آخر فارس ..

  • قد ضيعته الكُتْبُ ، ألقت فوق عينيه الغشاوة ،

  • فإذاك تخلط أى شَىء ..

  • بأى شىء !

  • واذا طواحين الهواء عمالقة ،

  • واذا قطيع الضأن جيش مقبل كالصاعقة ،

  • واذا الحظيرة قلعة، والطشت تاج من ذهب ،

  • واذا النعيق نفير الاستقبال . ( ها قد جاء كيخوت العظيم) !

  • يا للخديعه الكذب ..

  • يا أيها الآتون من بعدى الحذار ..

  • كل الحذار من الكُتُب !

  • -15

  • - أنكون ..

  • ياترى أم لا نكون !

  • أمن الحكمة أن نحيا الحياة ..

  • كيفما كانت .. ونرضى حظنا ،

  • أم نخوض البحر فى هول الصراع ..

  • عزلا .. دون شراع ،

  • أم ترى الحكمة فى أن ننتحر ؟ !

  • يا دجى .. ياصمت .. يا .. يا .. ياجنون ..

  • أنكون ..

  • ياترى أم لانكون !

  • - يا سؤالا حائراً منذ قرون ،

  • هائما ليس يقر !

  • - أيها الهاتف من أنت ؟ !

  • - أنا بصقة قبر !

  • - أنا خفاش عجوز ،

  • يكره الضوء كما تكره أنت الظلمات ،

  • أيها الضارب فى التيه بليل ..

  • كيف فى التيه المفر ؟

  • يا صديقى .. خذ طريقى .. وانتحر !

  • - انتحر ؟ !

  • - راحة الراحات ، ترياق الألم ،

  • وخلاصات خلاصات الحكم ..

  • أنت لاتملك غير الكلمات ،

  • حيلة العاجز عن كل الحيل

  • ( كلمات .. كلمات .. كلمات )

  • غُصْنُ صفصاف هزيل ..

  • أى عُكّاز وفى الدرب ملايين الحفر !

  • أوشك الديك يصيح ،

  • وسَرَتْ كالسم أنفاس الصباح ،

  • فوداعاً .. أو اذا شئت اختصر ..

  • وليكن وشْك لقاء !

  • - أيها الهاتف قف ..

  • أيها الهاتف قف ..

  • ......................

  • أنكون ..

  • يا ترى ..

  • أم لا نكون !!

  • -16

  • (فتوى ! )

  • - أعطوا لقيصر ما لقيصر ،

  • وللاله ..

  • ما للاله !

  • - فما الذى تعطى لنا ؟ !

  • - ماذا تبقى عندكم ؟

  • - لم يبقى شىء ..

  • - فاهنأوا .. طوبى لكم !

  • -17

  • ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..!

  • صَلَّيْتُ فى الماخور كى أعرف أسرارَ الطهارة ،

  • وزنيت فى المحرابِ كى أسبر أغوار الدعارة ،

  • لكن شيئاً واحداً لم أقترفه .. هو اللواطة !

  • ياسيداتى معذرة ..

  • ان كنت قد جانبت آداب اللياقة .

  • أنا لست أعنى فتنة الغلمان .. ما كان " ابن هانىء " ..

  • فى الحق لوطيا .. ولكن اللواطة أن تقول ..

  • ما لاتريد ،

  • أو أن تريد ولا تقول !

  • قالوا قديما : ( لاتخف ان قلت ، واصمت لاتقل ..

  • ان خفت ) .. لكنى أقول :

  • الخوف قواد .. فحاذر أن تخاف !

  • قل ما تريد لمن تريد كما تريد متى تريد ..

  • لو بعدها الطوفان قلها فى الوجوه بلا وجل :

  • " الملك عريان " .. ومن يفتى بما ليس الحقيقه ..

  • فليلقنى خلف الجبل !

  • انى هنالك منتظر ..

  • والعار للعميان قلبا أو بصر ،

  • وإلى الجحيم بكل ألوان الخطر !



أعمال أخرى نجيب سرور



المزيد...

العصور الأدبيه

العثور على مومياء بلسان ذهبي في مصر

العثور على مومياء بلسان ذهبي في مصر



ماذا يجب أن تعرف عند شراء شقتك؟