الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> نازك الملائكة >> في جبال الشمال >>
قصائدنازك الملائكة
- عُدْ بنا يا قطار ْ
- فالظلام رهيبٌ هنا والسكونُ ثقيلْ
- عُدْ بنا فالمدَى شاسعٌ والطريقُ طويل
- والليالي قِصارْ
- عدْ بنا فالرياحُ تنوحُ وراءَ الظلالْ
- وعُواءُ الذئابِ وراءَ الجبالْ
- كصراخِ الأسى في قلوبِ البشرْ
- عُدْ بنا فعلى المنحدَرْ
- شَبحٌ مكفهرٌّ حزينْ
- تركتْ قَدَماهُ على كلِّ فجرٍ أثرْ
- كلُّ فجرٍ تقضّى هنا بالأسى والحنين
- شَبحُ الغربةِ القاتلهْ
- في جبال الشّمالِ الحزينْ
- شبحُ الوَحدةِ القاتلهْ
- في الشمالِ الحزينْ
- عد بنا قد سئمنا الطَّوَافْ
- في سُفُوحِ الجبال وعُدْنا نخافْ
- أن تطولَ ليالي الغيابْ
- ويغطي عُوَاءُ الذئابْ
- صوتنا ويعزُّ علينا الإيابْ
- عُدْ بنا للجنوبْ
- فهناكَ وراءَ الجبالِ قلوبْ
- عدْ بنا للذينَ تركناهُم في الضبابْ
- كلُّ كفٍّ تلوِّحُ في لهفةٍ واكتئابْ
- كل كفٍّ فؤاد
- عدْ بنا يا قطارُ, سئمنا الطَّوَافَ وطالَ البعادْ
- وهنالكَ همسٌ عميقْ
- لاثغٌ خلفَ كلِّ طريق
- في شعابِ الجبالِ الضِّخامْ
- ووراءَ الغمامْ
- في ارتعاشِ الصَّنَوْبرِ, في القريةِ الشاحبهْ,
- في عُوَاءِ ابن آوى, وفي الأنجمِ الغاربهْ,
- في المراعي هنالكَ صوتٌ شَرُودْ
- هامسٌ أن نعودْ
- فهناكَ بيوتٌ أُخَر
- ومراعٍ أخرْ
- وقلوبٌ أخرْ
- وهناكَ عيونٌ أبَت أن تنامْ
- وأكفٌّ تضمُّ الدُّجَى في اضطرامْ
- وشفاهٌ ترددُ أسماءنا في الظلامْ
- وقلوبٌ تُصيخُ لأقدامنا في وُجومْ
- وتنادي النجومْ
- في أسًى وسكونْ:
- "ومتى يا نجومُ سيذكرنا الهاربونْ?"
- "ومتى يَرْجعونْ?"
- لحظةً, سنعودْ
- لن يرانا الدُّجَى ها هنا, سنعودْ
- سنعودُ, سنطوي الجبالْ
- ورُكَامَ التلالْ
- لن ترانا ليالي الشمالْ
- ها هنا من جديدْ
- لن يحسَّ الفضاءُ المديد
- نارَ آهاتِنا في المساءِ الرهيبْ
- في سكونِ المساءِ الرهيبْ
- **
- عُدْ بنا يا قطارَ الشمالْ
- فهناكَ وراءَ الجبالْ
- الوجوهُ الرقاقُ التي حجَبَتها الليالْ
- عُدْ بنا, عُد إلى الأذرُعِ الحانيهْ
- في ظلالِ النخيلْ
- حيثُ أيامُنا الماضيهْ
- في انتظارٍ طويلْ
- وقفتْ في انتظار
- تتحرى رجوعَ القطارْ
- لتسير مع السائرينْ
- حيثُ أيامُنا تسألُ العابرينْ
- واحدًا, واحدًا, في حنينْ
- "ومتى عودةُ الهاربينْ?"
- **
- لنعُدْ فهناكَ نشيد قديمْ
- حولَنا هامسٌ بالرُّجوعْ
- ما أحبَّ الرجوعْ
- بعد هذا الطوَاف الأليمْ
- في جديبِ الشِّعابْ
- حيث تَعْوي الذئاب
- لنعدْ, فالدُّجَى بارد كالجليدْ
- وهنالكَ خلفَ الفضاءِ البعيدْ
- أذرعٌ دافئهْ
- لنعدْ فالجبالُ تكشِّرُ عن ليلها المظلمِ
- وهنالكَ خلفَ الدُّجَى المبهَمِ
- صوتُ أحبابنا, في الظلامِ السحيقْ
- نابضًا بالحنينِ العميقْ
- صوتُهم مُثقلاً بالعتابْ
- صوتُهم ردّدته الشِّعابْ
- صوتُهُم في سكون المكانْ
- دائرٌ كالزمانْ
- لنعُدْ قبلَ أن يقضيَ الأفعوانْ
- بفراقٍ طويلٍ, طويلْ
- عن ظلالِ النخيلْ
- عن أعزائنا خلفَ صمتِ القفارْ
- عدْ بنا يا قطارْ
- فالليالي قصار
- وهنالكَ أحبابُنا في أسًى وانتظارْ
المزيد...
العصور الأدبيه