الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> نازك الملائكة >> الغروب >>
قصائدنازك الملائكة
- هبط الليل وما زال مكاني
- عند شطّ النهر , في الصمت العميق
- شردت روحي,وغابت عن عياني
- صور الحاضر والماضي السحيق
- وامحي في خاطري ذكر الزمان
- وتلاشت ذكر الدهر المحيق
- ليس إلا الحزن يمشي في كياني
- وأنا في ظلمة الليل الصديق
- غرق الضوء وراء الأفق
- وخلا العالم من لون الضياء
- ليس إلا رمق من الشفق
- حائل قد كان يمحوه الفناء
- وأنا تمثال حزن محرق
- وشقاء مطبق فوق شقاء
- أرمق الأفق بطرف مغرق
- تائه يطوى دياجير الفضاء
- أيّ معنى هاج في نفسي الغروب؟
- أجفلت في جسدي منه الحياة
- وسرى في مسمعي همس غريب
- كلّه هول ورعب وشكاة
- واعتراني خاطر مشج رهيب
- وتجلّى لخيالاتي الممات
- ها أنا وحدي تناجيني غمومي
- وكآباتي وأشباح الفناء
- كلّ ما حولي مثير للوجوم
- مصرع الشمس وأحزان المساء
- عبثا أطرد عن نفسي همومي
- عبثا أرجو شعاعا من رجاء
- غرقت أحلام قلبي في الغيوم
- وتلاشت مثل أحلام الضياء
- أقفر العالم حولي لا نشيد
- من صبي أو هتاف أو حفيف
- أنا والأمواج واليأس الشديد
- وانحدار الشطّ والظلّ الوريف
- وحواليّ ظلام وركود
- ألقيا الحزن على حسّي الرهيف
- من بعيد أبصر الراعي الحزين
- يرجع الأغنام في صمت الغروب
- مطرقا أتعبه ركب السنين
- فقضاها في نحول وشحوب
- هو والأغنام حزن وسكون
- وخطى في مسمع الليل الرهيب
- وأنا أرمقهم غرقى الجفون
- تحت أحلام شبابي وكروبي
- وبعيدا في الفضاء المدلهمّ
- خفقة من جنح طير عابر
- فاجأته ظلمة الليل الملمّ
- وجبال من سحاب ماطر
- فسرى بين دياجير وغيم
- كخيال في فؤاد الشاعر
- لحظة , ثم تواى في الخضمّ
- بين أمواج الظلام الغامر
- آه ما أرهبه الآن سكونا
- لا أعي فيه سوى دّقات قلبي
- صمت الكون ونام المتعبونا
- وهو ما زال صدى حزن وحبّ
- نظراتي لم تزل حلما حزينا
- وخيالات مسائي لم تعد بي
- طفقت تصعد بي أفق السنينا
- وترود الكون من شرق لغرب
- ونباح الكلب في الحقل البعيد
- رفّ في سمعي ضئيلا مجهدا
- موحشا في ظلمة الليل الوليد
- غامض الوقع , غريبا كالصدى
- ذا فؤاد مرهف الحسّ شريد
- دفن الأمس ولم يرج الغدا
- ومياه النهر تجري في شحوب
- تحت أكداس الغيوم الجاثمات
- وصدى طاحونة القمح الغريب
- يكئب النفس بأشجى النغمات
- هكذا مرّ على روحي الغريب
- غامض الظلّ حزين الخطوات
- فوداعا أيّها الجرف الكئيب
- ووداعا يا غمار الظلمات
المزيد...
العصور الأدبيه