الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> مظفر النواب >> قراءة في دفتر المطر >>
قصائدمظفر النواب
- " إنني أحمل قلبي كبرتقالة مضى الموسم ولم تنضج, وأعطت زهر
- البرتقال , وفيها رائحة شمس البارحة
- إلى أحمد صديقا من الشياح"
- في الليل , يضيع النورس في الليل
- القارب في الليل
- وعيون حذائي تشتم خطى امرأة في الليل
- امرأة , ليست أثر من زورق لعبور الليل
- يا امرأة الليل , أنا رجل حاربت بجيش مهزوم
- في قلبي صيحة بوم
- وأخيرا...
- صافح قادتنا الأعداء , ونحن نحارب
- ورأيناهم ناموا في الجيش الآخر , والجيش يحارب
- والآن سأبحث عن مبتغى , أستأجر زورق
- فالليل مع الجيل المكسور طويل
- في مقت الزيتونة , شباك للغرباء
- تبكي الموجة فيه
- أهلي فيه
- ورجال فيه يصيدون أصابع أطفال غرباء
- مازلنا بشرا ضعفاء
- نبحث عن شوق , ليتبعنا كالشوق
- ونحب ونكره حد الشوق
- ورأيناهم ناموا في الجيش الآخر , والجيش يحارب
- وبحثنا عنهم كالمبغي
- يا شباك الزيتونة ... أبحث عن مبتغى
- أبحث عن طين..
- يا زهرة بيتي , يا وطني,
- أأظل هنا حزنا مبعد!
- أأظل على خرسي , تابوت قصاصات مجهد!
- لا أعرف حتى خشبي...
- لا أعرف أين سيتركني الجزر
- وليل الماء على جرحي....
- لا أعرف كيف يمر الإنسان بدرب الدمع
- لا أعرف أيأس...
- ألخضرة دبت في خشبي والمنفى
- وسمعت شموعا تتلقح في قلبي
- وصراخا أهمل أعواما لا يغضب... لا يبكي...
- وتواطأت مع الأيام , نسيت , نسيت وفاجأني
- أنت؟
- وفي هذا الليل
- أنت ! أنا لا أعرف وجهك , لا أعرف :"أنت"
- أعواما بعدك , ما كان لبيتي باب
- أعواما... ألهث.. ألقاك وراء النوم, وأنت سراب
- فأنا أحببتك في زهرة بيتي , في وطني
- وسمعت شموعا تتوهج في قلبي
- ولماذا بعتم لغة البيت , وفيها "الشياح" وأهلي .. وأخي في
- مطر الليل!
- ولماذا استأجرتم لغة أخرى!
- وأبحتم وجه مدينتنا لليل!
- وتركتم في الهجر حروفي
- كأصابع أيتام في الشباك
- كزوايا فم طفل يبكي
- من أقصى الحزن أتيت
- كي أغلق أبواب بيوت المهزومين
- وأبشر بالإنسان ... وبالإنسان... و "بالشياح"
- وبمن لا يملك سقفا, سيكون له سقف, في هذي الدنيا....
- وينام
- لكن .. واخجلي من بيت مهزوم
- وسيخجل من باعوا لغتي
- فأنا مكتوب في الأرز وفي العسل الأخضر في التين
- وأن أطعم بالسكر نخلات "الكوفة"
- والأطفال على رابع جسر في " العشار"
- أنا لا أمللك بيتا أنزع فيه تعبي
- لكني كالبرق أبشر بالأرض
- وأبشر أن الأمطار ستأتي
- وستغسل من لوحتنا كل وجوه المهزومين
- وستغسل من يبحث عن خيبته عن مبتغى
- وستغسل بالمطر الدافئ جنح النورس
- وبيوت أحبتنا....
- والحرف الأول في لغتي
- يا زهرة بيتي ,يا وطني ,أمطرني...
- حزن بلادي فوق الماء
- ماذا غير الزرقة تنمو فوق الماء
- وخضار أصابع أطفال غرقى
- تنمو في الطحلب أياما.... وتموت
- الماء طريق للغرباء....
- الماء طريقة عرسي
- والزهرة... والرشاش..
- وخبز الصمغ عشاء النجمة في الصمت....
- وعشائي.....
- الماء طريق للماء
- وبيت, لا ندرس فيه
- وننشف خديه إذا ابتلا...
- ونرافق فانوس النوم
- من أيام زهرة بيتي
- فارقت نعاسي
- وتواطأت مع الأنهار وكل جسور الناس
- إليك .. إليك..
- ونسيت
- نسيت بأنك ماء في وطني
- اسمك في الليل يسيل الصمغ عن التفاح
- نهر ينتاب الحر ليالي الصيف
- ويواعد كل الأمطار
- ويواعدني...
- الصحو يواعدني ؟
- وكذبت بقلبي
- كذبت كنشرة أخبار
- يكذب... يكذب... صحوك يكذب باستمرار
- باستمرار
- فكأنك غربة...
- وكأنك كنت رصيفا في الغربة
- وكأنك مألوف في الغربة
- وكأنك ..لا أدري , .. غربة
- بلل فيك , كماء الليل على الأشجار
- اسمك لي بيت في الليل
- ونسيت لسرعة قلبي, كل نوافذه مشرعة لليل
- نسيت..نسيت..وأيقظني..
- ريح الشباك على وطني
- يا وطني , وكأنك غربة
- وكأنك تبحث في قلبي عن وطن أنت
- ليؤويك
- نحن الاثنان بلا وطن ... يا وطني
- كالبارحة اشتقت ومرت في قلبي
- طرقات مدينتا تبكي
- الدمع على أرصفتي يبكي... يبكي
- ومدينة أيامي , باعوها , في الساحة تبكي
- يا امرأة الليل أنا رجل, باعوا لليل مدينة أيامي
- باعوني ككتاب يطبع ثانية, باعوا أحلامي
- نامي يا امرأة الحزن , فمن يبحث عن إنسان؟
- من يعرف جنديا في هذي الغربة
- من ينصت للحزن المتأخر
- من يعرف وجهي في السوق ؟
- يوشك زيتك يطفئني !
- ما زيتك من زيت ؟
- يا قمحا يأتي
- يشمس شباك البيت
- لو كنت أعرف بأنا نملك بيتا خلف ظلام الدنيا
- وصغارا مثلك في البيت
- لو كنت عرفت سلاحا
- لو كنت عرفت لماذا نتغطى الصمت وحزن الإصرار
- لو كنت عرفت معسكرنا , وقبور الماء وصوت الليل
- ورأيت وجوه رفاقي التسعة قبل النار
- لو كنت عرفت لماذا يسكن جوع في الأهوار
- جوع وثلاثة أنهار
- لو كنت عرفت الخجل المر
- على جبهة ثوري ينهار
- لعرفت الثورة
- لعرفت لماذا الثورة
- لعرفت أن الثائر لا ييأس من دفع الصفر بوجه الليل
- لعرفت , لماذا أبحث عن مبغي
- لعرفت لماذا أبحث في وجه الناس عن الإنسان
- في وجهك أبحث عن إنسان ... عن إنسان...
- عن إنسان
- أبحث في طرقات مدينتكم عن وجه يعرفني
- أبكي كالبوم المجروح , على جدران الليل
- والبارحة اشتقت , ومرت في قلبي كل خرائبها...
- تبكي...
- يا مدن الناس....... مدينتنا تبكي
- المنقذ يأتي ... كشموع تحت الماء
- سنتان تعلم حزنا تحت الماء
- سنتان نمت أسماء القتلى , اتخذت أسماء
- ونما النسيان..
- ونما للمنقذ... درب وصليب من أشتات خضراء
- حزين قلبي للمنقذ
- مثل كتاب الأحزان
- مثل كتاب الريح
- مثل رثاء النصر إذا ساوم قلب القائد
- وكما يقرأ في الكبغى , قرآن
- وحزين قلبي
- كحديث العمر الذاهب
- للمنقذ...
- في طرقات مدينتكم حقرتم حزني..
- المبغي في ليل مدينتكم أكثر تسلية من حزني
- القبر بليل مدينتكم , أكثر أفراحا
- وأنا من أقصى الحزن أتيت أبشر
- بالإنسان وبالمنقذ
- وأخاف على أيام مدينتكم منكم
- من لغة أخرى..
- في الطرقات المشبوهة بالإنسان , وزهر الصبار اتسخت
- روحي
- يا منقذ .. واتسخت روحي
- وتعذب حتى وسخي..
- عانيت لأنك تعرفني الغربة..
- عانيت , لأنك في ثقة متعبة , كالشك
- وتعلمت مع الغربة
- عانيت.. وماذا تدري ؟
- ولماذا تدري ؟
- بالأمس , ذهبت..
- على وجهك حزن الأسماك
- وسألت... سألت...
- وعنك سألت الصيادين
- سألت لماذا لا تدري ؟
- وجملت صليبك لا تتركني في النسيان
- لا تتركني , فالشك سيقتل في الإنسان
- لا تتركني , أفلست المنقذ ؟
- ولأجل صليبك أورق في الليل
- على الأبواب
- ولأجل صليبك نمت مع المبغي , ووجدت صليبك يبكي ندما
- في الشباك
- لا تتركني, فأنا وحدي
- والناس هنا في غربة
- ***********
المزيد...
العصور الأدبيه