الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> محمود درويش >> عودة الأسير >>
قصائدمحمود درويش
- النيل ينسى
- و العائدون إليك منذ الفجر لم يصلوا
- هناك حمامتان بعيدتان
- ورحلة أخرى
- و موت يشتهي الأسرى
- و ذاكرتي قويّة .
- و الآن، ألفظ قبل روحي
- كلّ أرقام النخيل
- و كل أسماء الشوارع و الأزقّة سابقا أو لاحقا
- و جميع من ماتوا بداء الحب و البلهارسيا و البندقيّة
- ما دلني أحد عليك
- و أنت مصر
- قد عانقتني نخلة
- فتزوّجتني
- شكّلتني
- أنجتني الحبّ و الوطن المعذب و الهويّة
- ما دلني أحد عليك
- وجدت
- وجدت مقبرة.. فنمت
- سمعت أصوات.. فقمت
- ورأيت حربا.. فاندفعت
- وما عرفت الابجديّة
- قالوا:اعترف
- قلت :اعترفت
- يا مصر !الاكسرى سباك ولا الفراعنة
- اصطفوك أميرة أو سيدة
- قالوا: اعترف
- قلت :اعترفت
- و توازت الكلمات و العضلات
- كاونوا يقلعون أظافري
- و يقشّرون أناملي
- و يبعثرون مفاصلي
- و يفتّشون اللحم عن أسرار مصر ..
- و تدفّقت مصر البعيدة من جراحي
- فاقتربت
- و رأيت مصر
- و عرفت مصر
- ما دلّني أحد، خناجرهم تفتّشني فيخرج شكل مصر
- يا مصر! لست خريطة
- قالوا: اعترف
- قلت: اعترفت
- واصلت يا مصر اعترافاتي
- دمي غطّى وجوه الفاتحين
- و لم يغطّ دمي جبينك، و اعترفت
- و حائط الإعدام يحملني إليك إليك ..
- أنت الآن تقتربين. أنت الآن تعترفين
- فامتشقي دمي!.
- و النيل ينسى
- ليس من عادته أن يرجع الغرقى
- و آلاف العرائس من تقاضي أجرها؟
- النيل ينسى.
- و القرى رفعت مآذنها و شكواها
- و أخفت صدرها في الطين
- و المدن_ الجنود الغائبون_ الاتحاد الاشتراكيّ_ المغني
- راقصات البطن_ و السياح_ و الفقراء
- سبحان الذي يعطي و يأخذ!
- ليس من عادات هذا النيل أن يصغي إلى أحد
- كأن النيل تمثال من الماء استراح إلى الأبد
- ماذا يقول النيل
- لو نطقت مياه النيل؟
- يسكت مرّة أخرى
- و ينساني
- لتسكت جوقة الإنشاد حول جنازتي!
- و خذي عن الجثمان أعلام الوطن
- يا مصر! تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر
- غطّى حفنة من رمل سيناء التي ابتعدت عن العينين
- و امتشقي دمي
- و خذي عن الجثمان أعلام الوطن
- سيناء ليس لها كفن !
- و النيل ينسى
- ماذا يقول النيل، لو نطقت مياه النيل ؟
- يسكت مرّة أخرى
- و لا يستقبل الأسرى .
- ليسكت ههنا الشعراء و الخطباء
- و الشرطي و الصحفيّ
- إنّ جنازتي وصلت
- و هذي فرصتي يا مصر.. أعطيني الأمان
- يا مصر! أعطيني الأمان
- لأموت ثانية ..شهيدا لا أسير
- السدّ عال شامخ، و أنا قصير
- و المنشآت كبيرة، و أنا صغير
- و الأغنيات طليقة، و أنا أسير
- يا مصر!أعطيني الأمان
- إني حرستك. كانت الأشياء آمرة و آمنة و كان المطرب
- الرسمي يصنع من نسيج جلودنا وتر الكمان
- و يطرب المتفرّجين
- قد زيفوا يا مصر حنجرتي
- و قامة نخلتي
- و النيل ينسى
- و العائدون إليك منذ الفجر لم يصلوا
- و لست أقول يا مصر الوداع
- شبت خيول الفاتحين
- زرعوا على فمك الكروم، فأينعت
- قد طاردوك_ و أنت مصر
- و عذبوك_ و أنت مصر
- و حاصروك_ و أنت مصر
- هل أنت يا مصر؟
- هل أنت.. مصر!.
المزيد...
العصور الأدبيه