الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> محمد مهدي الجواهري >> يافا الجميلة >>
قصائدمحمد مهدي الجواهري
- بـ " يافا " يومَ حُطَّ بها الرِكابُ
- تَمَطَّرَ عارِضٌ ودجا سَحابُ
- ولفَّ الغادةَ الحسناءَ ليلٌ
- مُريبُ الخطوِ ليسَ به شِهاب
- وأوسعَها الرَذاذُ السَحُّ لَثْماً
- فَفيها مِنْ تحرُّشِهِ اضطِراب
- و " يافا " والغُيومُ تَطوفُ فيها
- كحالِمةٍ يُجلِّلُها اكتئاب
- وعاريةُ المحاسن مُغرياتٍ
- بكفِّ الغَيمِ خِيطَ لها ثياب
- كأنَّ الجوَّ بين الشمسِ تُزْهَى
- وبينَ الشمسِ غطَّاها نِقاب
- فؤادٌ عامِرُ الإيمانِ هاجَتْ
- وسوِسُه فخامَرَهُ ارتياب
- وقفتُ مُوزَّعَ النَّظَراتِ فيها
- لِطَرفي في مغَانيها انْسياب
- وموجُ البحرِ يَغسِلُ أخْمَصَيْها
- وبالأنواءِ تغتسلُ القِباب
- وبيّاراتُها ضَربَتْ نِطاقاً
- يُخطِّطُها . كما رُسمَ الكتاب
- فقلتُ وقد أُخذتُ بسِحر " يافا "
- واترابٍ ليافا تُستطاب
- " فلسطينٌ " ونعمَ الأمُ ، هذي
- بَناتُكِ كلُها خوْدٌ كَعاب
- أقَّلتني من الزوراءِ رِيحٌ
- إلى " يافا " وحلَّقَ بي عُقاب
- فيالَكَ " طائراً مَرِحاً عليه
- طيورُ الجوِّ من حَنَقٍ غِضاب
- كأنَّ الشوقَ يَدفَعُهُ فيذكي
- جوانِحَهِ من النجم اقتراب
- ركبِناهُ لِيُبلِغَنا سحاباً
- فجاوزَه ، لِيبلُغَنا السّحاب
- أرانا كيف يَهفو النجمُ حُبَّاً
- وكيفَ يُغازِلُ الشمسَ الَّضَباب
- وكيفَ الجوُّ يُرقِصُهُ سَناها
- إذا خَطرتْ ويُسكِره اللُعاب
- فما هيَ غيرُ خاطرةٍ وأُخرى
- وإلاّ وَثْبةٌ ثُمَّ انصِباب
- وإلاّ غفوةٌ مسَّتْ جُفوناً
- بأجوازِ السماءِ لها انجِذاب
- وإلاّ صحوةٌ حتّى تمطَّتْ
- قوادِمُها ، كما انتفَضَ الغُراب
- ولمّا طبَّقَ الأرَجُ الثنايا
- وفُتِّح مِنْ جِنانِ الخُلدِ باب
- ولاحَ " اللُّدُّ " مُنبسِطاً عليهِ
- مِن الزَهَراتِ يانِعةً خِضاب
- نظْرتُ بمُقلةٍ غطَّى عليها
- مِن الدمعِ الضليلِ بها حِجاب
- وقلتُ وما أُحيرُ سوى عِتابٍ
- ولستُ بعارفٍ لِمَنِ العتاب
- أحقَّاً بينَنا اختلَفَتْ حُدودٌ
- وما اختَلفَ الطريقُ ولا التراب
- ولا افترقَتْ وجوهٌ عن وجوهٍ
- ولا الضّادُ الفصيحُ ولا الكِتاب
- فيا داري إذا ضاقَت ديارٌ
- ويا صَحبيْ إذا قلَّ الصِحاب
- ويا مُتسابقِينَ إلى احتِضاني
- شَفيعي عِندَهم أدبٌ لُباب
- ويا غُرَّ السجايا لم يَمُنُوا
- بما لَطُفوا عليَّ ولم يُحابوا
- ثِقوا أنّا تُوَحَّدُنا همومٌ
- مُشارِكةٌ ويجمعُنا مُصاب
- تَشِعُّ كريمةً في كل طَرفٍ
- عراقيٍّ طيوفُكُم العِذاب
- وسائلةٌ دَماً في كلِّ قلبٍ
- عراقيٍّ جُروحُكم الرِغاب
- يُزَكينا من الماضي تُراثٌ
- وفي مُستَقْبَلٍ جَذِلٍ نِصاب
- قَوافِيَّ التي ذوَّبتُ قامَتْ
- بِعُذري . إنّها قلبٌ مُذاب
- وما ضاقَ القريضُ به ستمحو
- عواثِرَهُ صُدورُكم الرّحاب
- لئنْ حُمَّ الوَداعُ فضِقتُ ذَرعاً
- به ، واشتفَّ مُهجتيَ الذَّهاب
- فمِنْ أهلي إلى أهلي رجوعٌ
- وعنْ وطَني إلى وطني إياب
المزيد...
العصور الأدبيه