الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> محمد مهدي الجواهري >> قتل العواطف !... >>
قصائدمحمد مهدي الجواهري
- أغْرَى صِحابي بتقريعي وتأنيبي
- طولُ اصطِباري على همٍّ وتَعذيبِ
- أيسْتُ من كلِّ مطلوبٍ أُؤمِّلُهُ
- وأصبحَ الموتُ من أغلى مطاليبي
- إذا اشتهيتُ فزادي غيرُ مُحْتَمَلٍ
- وان ظَمِئْتُ فوِرْدي غيرُ مشروب
- جارتْ عليَّ الليالي في تقلُّبِها
- وأوهَنَتْ جَلَدي من فَرْطِ تقليبي
- عَوْداً وَبَدْءاً على شرٍّ تُعاوِدُهُ
- كأنَّني كرةٌ لِلّعْبِ تلهو بي
- يا مُضغْةً بين جنبيَّ ابتُليِتُ بها
- لا كنتِ من هدفٍ للشرِّ منصوب
- ومن مثارِ همومٍ لا انتهاءَ له
- ومن مَصَبِّ عناءٍ غيرِ منضوب
- وقد رددتُ رزايا الدهرِ أجْمَعَها
- إلى سِجِلَّيْنِ محفوظٍ ومكتوب
- ما بين مُكْتَشَفٍ بالشعرِ مُفْتَضَحٍ
- وبين مُخْتَزَنٍ في القلب محجوب
- إني على الرّغْمِ مما قد نُكِبْتُ به
- فقد يحزّ فؤادي لفظُ منكوب
- شكت إلىّ القوافي فرطَ ما انتبذَتْ
- مني وكنتُ أراها خيرَ مصحوب
- وعاتَبَتْني على الهجرانِ قائلةً
- أكنتُ عِنْدَكَ من بعض الألاعيب!
- تلهو بها وإذا ما شئتَ تَطْرَحُها
- موقوفةً بين تَبعيدٍ وتقريب
- كم ساعدتْك على الجُلِّى وكم دَفَعَتْ
- هواجساً عن فؤادٍ منكَ " متعوب "
- سَجَّلْتُها آهةً حرَّى وكم دَفَعَتْ
- طيَّ الرياحِ سُدىً آهاتُ مكروب
- فقلتُ حسبي الذي ألهبتكُنّ به
- من لاعجٍ في حنايا الصدرِ مشبوب
- ومن قوافٍ بذَوْبِ الدَّمْع نشأتُها
- ومن قصيدٍ لفرطِ الحُزْنِ منسوب
- لو اكتسى الشعرُ لوناً لاقتصرتُ على
- شعرٍ بِقاني نجيعِ القلبِ مخضوب
- وما اشتكائي إلى الأشعارِ من مُضَضٍ
- إلا شكيَّةَ محروبٍ لمحروب
- إنّ الأديبَ وإنَّ الشعرَ قَدْرُهُما
- مطرَّحٌ بين منبوذٍ ومسبوب
- لم يبقَ منْ يستثيرُ الشِعْرُ نَخوَتَهُ
- ومن يُحرِّكُهُ لُطْفُ التراكيب
- أعلى مِنَ الشّعرِ عندَ القومِ منزلةً
- نَفْخُ البطونِ وتَطْريزُ الجلابيب
- ورُبَّ قافيةٍ غرّاءَ قد ضَمِنَتْ
- أرقَّ معنىً تَرَدَّى خَيْرَ أُسْلُوب
- من اللواتي تُغَذِّيهنَّ عاطفةٌ
- جياشةٌ بين تصعيدٍ وتصويب
- هززتُ فيها نياطَ القلبِ فانتثرت
- بها شظايا فؤادٍ جدِّ مشعوب
- رهنتُها عند فجِّ الطَّبْعِ محتقنٍ
- بغيرِ صُمِّ العوالي غيرِ مجذوب
- ظننتُني صادقاً فيما ادَّعَيْتُ بها
- حتى انبرى لؤمُ جانيها لتكذيبي
- أرخَصّتُها وهي علقٌ لا كِفاءَ لَهُ
- ورُحْتُ أصْفِقُ فيها كَفَّ مغلوب
- تشكو اغتراباً لَدَى من ليسَ يَعْرفُها
- كما شكَتْ طبعَ راميها بتغريب
- عفواً فلولا اضطرارُ الحالِ يُلجئني
- لكنتُ أنفَسَ مذخورٍ ومكسوب
- قالوا استفدتَ من الأيامِ تَجرِيةً
- والموتُ أرْوَحُ من بعضِ التّجاريب
- تُعْفي الشدائدُ أقْواماً بلا أدَبٍ
- وتبتلي غيرَ مُحتاجٍ لتأديب
- ما كان مِن قبلِها عُودي بذي خَوَرٍ
- للعاجمينَ ولا قلبي بمرعوب
- ولا ذُعِرْتُ لشرٍّ غيرِ مُنْتَظَرٍ
- ولا نزقتُ لخيرٍ غيرِ محسوب
- يا خيرَ موهبةٍ تزكو النفوسُ بها
- بعداً فانك عندي شرُّ موهوب
- يُرضِي الفتى عَيْشُهُ ما دامَ يَغمُرُهُ
- بالطيباتِ ويُغْريهِ بتحبيب
- حتى اذا رَمَتِ الويلاتُ نِعَمَتَهُ
- ونَغَّصّتْها بتقويضٍ وتخريب
- سمَّى مُعاكسةَ الأيامِ تَجْربَةً
- وراح يَخْدَعُ نَفْساً بالأكاذيب
- والعيشُ بالجهلِ أو بالحِلمِ إن خَبُثَتْ
- مِنْهُ الحواشي فشيٌْ غيرُ محبوب
المزيد...
العصور الأدبيه