الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> محمد حسن علوان >> جفاف >>
قصائدمحمد حسن علوان
- يا ربي.. لم أطلب أكثرْ
- جاع جبيني في أصقاعِ العمياواتِ،
- فخذ بيدي..
- نقّط لي شيئاً أكتبه،
- .
- .
- واجعل لي دفتر!
- * * * * * *
- ذكّرني ما أنسى من نفسي،
- فلقد أصبحتُ قنوعاً جداً حين أطارد رزقي في الأوراقِ،
- وما عدتُ أناضل كي أنشب ظفري فيها
- أصبحتُ أطالع صفحاتٍ كان يحرِّمها الشعرُ علينا،
- كالرأي العام، وأخبار المسؤولين، ومقالُ سياسيٍّ بارزْ!
- أصبحتُ بليداً كالأرقام، ومركوناً تحت هموم الواقع كملفٍ أزليّ التصنيفْ!
- يا ربي، من يتشابهْ مع هذا الوقت تمورُ بمهجته اللحظاتُ،
- ومن يقطعه عرضاً، أو يخدشُ رغبته، أو يمشي عكس السائد،
- أو.. (دعني أكمل!)، من يتمددُ فوق رصيف تمرده،
- يا ربي.. يتيبَّسْ في بطء القيظ الزاحفِ.. مثل رغيفْ!
- ذكّرني يا ربي مقياساً أعتمد عليه لفهم العمر، وما يحتاجُ إليه،
- وتفسير الجوع المتشابكِ في صدري،
- وأقلني من خطئي الدائم في تحديد الرغبة!
- اليوم استيقظتُ على دقاتِ التلفِ وقد قَطَعَت مشواراً جبلياً في عقلي!،
- واحتجَزَت أطفال الشعر بركنٍ قمريٍّ مظلمْ!
- يا ربي ذكرني كيف أمارسُ صرخة!
- ذكرني أي سلوكٍ يحدث تحت الشمسِ بلا خجلٍ،
- فلقد تثقبني الدنيا بالحزن الروتينيّ،
- وتطحن كل ملامح قلبي طحناً،
- كي تتساوى فيه نساء الأرض، وآيات التحريم!
- ذكّرني يا ربي،
- فالعهد القادم عهدُ القهوةِ والقلق المأجورِ،
- فكيف سأحمي نفسي من غدر مناخ الحزن،
- وإنفلونزا الضجة والتغيير!
- بعض الأشياء تعاندني دون مبررْ!
- ولقد يركض طفلٌ من أول دكان في الحي إلى آخر شريانٍ في وجهي،
- دون حكاياتٍ تسكن فيه، ودون أراجيحَ يعانقها،
- لكن كي يجعلني أبدو عادياً وسخيفاً كالصور الفوتوغرافية!
- ذكّرني يا ربِّ معوِّذةً تصرف عني صدف البحر المتراكم فوق سريري،
- والحلقات السوداء إذا تلقيها الظلمة مللاً فتطير تطير وتسقط في عنقي!
- فأنا أقلق في صمتٍ منذ نعومة أصفادي،
- وأخاف من الباب تواربه الريح، ومن قسوة خادمتي الحولاء، ومنك!
- ذكرني يا ربي نشوة حرفٍ يتسلق جذع الحبر ويقضم إبهامي،
- فأنا أتعاون مع كل هزائم هذا العمر، وأيأسُ تدريجياً كالغرباء،
- وأنفق من روحي كل صباحٍ مكيالاً من إيمانْ!
- ذكِّرني يا ربي كيف أقشِّر نسغ الليلِ،
- وأنكشُ من أقصى الجذع اليابس.. نصفَ اطمئنانْ!
- إني أكره أن أبقى ممضوغاً في التقويم كمنتصف الشهر،
- وأكره أيضاً أن لا يبقى للناس شهورٌ أخرى!،
- أكره أن يصبح وجهي مأدبةً لكلامٍ لا أسمعه،
- أو يكنسني الصمت القاسي مثل بقايا الطير على الشرفة،
- كي يحرمني من مجد حكاية!
- ذكرني يا ربي خصباً يجعلني لا أذرع هذي الريح وحيداً كلقاحٍ فاسدْ!
- * * * * * *
- ذكّرني كيف أكون أنيقاً في الحفلِ،
- وبين عيون الحسناواتِ المنتبهاتِ لكل الهالاتِ الزرقاء بجفني،
- المزدرداتِ كلامي، المقتسماتِ، إلى الأمس، ثلاثة أقنعةٍ سوداء،
- من السهدِ، ومن شبح العمرِ، ومن جسمي!
- ذكّرني صوتاً ينصرني حين ألوِّحُ حزناً للمذهولين أمام قراري!
- (( أنكثُ عهد النسق المفروض لمن حولي،
- وأسافر عكس ظنون الضوء،
- وأقتل كل نصائحهم!))
- لكن ذكّرني، يا ربِّي، قانون اللعبة!
- أحتاجُ إلى صُهدٍ يجرف هذا الشلل المُحدثَ في أنحائي،
- هذا الطنَّ من السخفِ اليحتاجُ إلى تفكير!
- أحتاجُ إلى طوفانٍ يختزل جميع التعديلات المطلوبة،
- هل عندك طوفانٌ آخرُ يا ربي؟!
- لا شيء يعيد إليّ صداع الشعر، يداي تجفان تجفان كأعواد سجائر!
- ذكّرني إيماءاتِ الترتيل السبعةِ،
- والإدغام بغنة!
- وطقوساً كنتُ أمارسها محموماً مثل الثور،
- ولا عدل مع الأحزان، ولا ميثاق، ولا هدنة!
- ذكّرني جهة الحرف إذا ضلّ بأحياء البطّالين،
- وعاد ليأوي مثل الفقد المنداح من الناي إلى حانٍ لاتينيٍّ مغمورْ
- ذكرني كم كان مقاس قميص أبي،
- هل صرتُ كبيراً كي أدخل فيه؟،
- وأصبَحَ عندي أحذيةٌ، مثل أبي، تصعد للأعلى!
- ذكرني أي كلامٍ خزفيٍّ يتكسّر قبل بلوغي،
- كانت أمي تزرعه في بصري المحدود لكي أنجح في الصف، ولا أكثر!
- ذكرني نصف طموحي يوم بدأتُ، ويكفي هذا!
- ذكرني الأشياء الصغرى.. والكبرى أيضاً!،
- فالذاكرة العمياء تؤبجد عمري ببلادة أستاذ النحو،
- وتنقِصني من أطراف العمر، ولا تترك صوتاً للتاريخ،
- ولا مجداً للقيصرْ
- * * * * *
- ذكّرني معنى أن تترك لي امرأةٌ دمعتها،
- والأحداثَ العاديةَ مثل ركوب السيارة عند الفجر،
- وتوزيع الأحزان على الطرقات،
- وترديد القيح المتسرب من مذياعْ!
- ذكّرني شجناً ينقذني من هذا الحس الباردِ حتى لو جاء غبياً،
- سوف أزيد عليه كذباتٍ أخرى كي أجعله سريالياً جداً،
- لكن ذكّرني كيف أحسُّ به يا رب، وشكراً لكْ
- لن أطلب أكثر من هذا،
- لم يبق لدي دعاءٌ..
- أقفل شباكك يا ربي..
- .
- .
- واتركني!
المزيد...
العصور الأدبيه