الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> محمد القيسي >> حين قال سامر : لا في المواجهة الأولى >>
قصائدمحمد القيسي
حين قال سامر : لا في المواجهة الأولى
محمد القيسي
- ( أرض واسعة كخلاء
- أشبه بالمسرح
- يتجمّهر خلق , وإضاءة
- فوضى أصوات متداخلة , خطوات المرأة
- تملأ أرجاء المطرح
- تتوّسط دائرة الضوء
- شيء كالصمت
- تتحرك , وتحدّق مذعورة ) :
- امرأة – من ذا يفتح دفتر أيامي
- ويواجه سفر المأساة
- إني أرهب سيف التاريخ
- حين يسطّر ما كنت كتبت
- يا رمل الذكرى , كن طينا وتماسك
- ( تنفر أعناق الناس
- تتلّفت في غضب نحو المرأة
- إذ تلمس زيف الكلمات
- والحركات المفتعلة
- فتواجهها بالأيدي المرفوعة
- والنظرات المحتّجة والصيحات
- يخرج من بين الجمهور
- سامر كالرمح نحيلا , ومضيئا بالحب
- يتوّقف في دائرة النور )
- سامر- إني أنشل نفسي من بئر الأخطاء
- وأحاكمها وأدينك باسم سنابلنا الظمآنه
- والشجر المقصوف
- ( أصوات تخرج من عمق الأشياء
- لا يظهر من ينشد
- بينا سامر يتمترس خلف الكلمات
- والمرأة تخفي عينيها
- بيديها )
- الأغنية
- الجوقة – الحب الماضي ماذا أثمر في دنيانا
- ماذا أعطى ؟
- هل ثمّة شيء بعد الحب ؟
- كلّ الأوراق امتلأت بالكلمات
- لم يبق لدينا ما نحكيه
- والآن علينا أن نفعل , أن نفعل
- نحن عشقنا حتى العشق
- وفتحنا الأيدي
- لكن لا شيء
- نفس الإحساس
- نفس الحب ونفس اللحظات
- إنّا ننشد أكثر من هذا
- نحلم أن يتحقّق في الحب
- كلّ رموز العالم
- لكن ما زلنا ننتظر , فماذا بعد ؟
- ماذا بعد ؟
- ( تخفت كلمات الأغنية
- ويهزّ الغضب المتسائل أبدان الناس
- أما المرأة
- فتحاول أن لا تستسلم
- تتمالك منها الأنفاس
- تتحرك في حذر ملحوظ )
- المرأة – كنت قديما أبحث عن هذا المطلق
- لكن حين رأيتك
- صرت لديّ المجهول ,
- وصرت عروق الأشياء المفقودة
- وعشقتك ,
- ليس كما يعشق كلّ الناس
- وحلمت بأطفال يأتون
- وبفرح لم يشرق ..
- سامر- معذرة يا سيدتي
- لا يرحل إلاّ من يأتي
- لا يكفي الحلم
- الجوقة – خيمتنا تحت الدلف
- جحظت عيناها
- فخجلنا أن لا نبحث عن سقف
- سامر- حين تغوص السكين عميقا ,
- في القلب
- ويصير رغيف الحب
- أبعد من قمر في الصحراء
- حينئذ لا يتسّع الميناء
- لأنين صواري البحر ,
- وأشرعة السفن الغرقى
- المرأة – سامر يرسم فوق الماء
- أجنحة لعصافير الأمس
- ويكتب فوق الرمل
- ما يرويه الليل
- سامر – لا تجرحني كلماتك
- أكثر مما فعلت بي
- رؤية طفل كان يصيح
- وبقايا جدران وسطوح
- ( يظهر في الظلمة
- طيف لامرأة بثياب العرس
- تتوسط دائرة الضوء
- تبدو مكتئبة
- فيباركها سامر بالحب الصامت )
- سامر- إنّي أحفر فوق جذوع الأشجار
- وجها محزونا
- وعصافير تموت
- وعيونا
- تحمل كلّ ملامح ذاك الطفل
- ( يتلّمس بيديه ,
- جديلتها المبلولة بالدم )
- وسأكتب أن الأسفار
- أخذتني منك ,
- وأنّ الغزلان البريّة والأعشاب
- وعبور الليل
- أشهى من كلّ الأضواء ,
- ومن مدن الغربة
- ( ينسحب الطيف
- يتلاشى تدريجيا في الظلّ
- تكبر بقع الدم
- في عينيّ سامر
- يهذي بكلام لا يفهم )
- المرأة – ماذا حلّ بعقله ؟
- سامر – من سنوات حين تلاقينا
- بعد هبوب الريح الأولى
- أخذتني نظرتك ,
- أحاطتني كلماتك بالحب
- منحتني أجمل وعد
- كنت عرفتك من قبل ولكّني ,
- صدّقت ..
- عدت فغّنيت على أبوابك
- كان غنائي يرتّد
- مخنوقا داخل حنجرتي
- ويموت صداه على أعتابك
- وظللت أحدّق في المرآة
- منتظرا فعل جوابك
- المرأة – ماذا يمكن أن تلقى ,
- مرسوما في المرآة
- إلاّ وجهك ,
- وشحوب النظرات ؟
- سامر – إنّي أعبر في تقطيب القسمات
- سردابا مجهولا
- وأرى باب
- أتهيّأ حتى أحمل زادي
- لأجوس طريق النار
- المرأة – لا تفضي بشبابك للتهلكة , فتندم ..
- سامر – لا يا سيدتي
- لم يحدث يوما أنّ سماء
- مدّت للجائع طبق غذاء
- ما لم يصفع جوعه
- الصدى - لم يحدث يوما أنّ سماء
- مدّت للجائع طبق غذاء
- ما لم يصفع جوعه
- المرأة – أتشكّ بأخوتك ,
- وأبناء العم ؟
- سامر – لا يا سيدتي
- فأنا أعرفهم جدا
- فهمو من هدموا بيتي
- من أكلوا لحمي
- من باعوا أرضي
- أعرف أنّك أنت وعشّاقك ,
- أعددتم هذا الحفل
- أعرف أكثر من هذا
- نعرف كلّ سطور التاريخ السريّة ,
- وتواقيع التجّار
- الصدى - نعرف كلّ سطور التاريخ السريّة ,
- وتواقيع التجّار
- ( المرأة تأخذ شكلا آخر
- فالفستان عليها يعتم ,
- بأهلّته ونجومه
- تتميّع ألوانه
- الأحمر والأخضر والأبيض ,
- والأصفر والأسود ..
- تغدو شرطيّا وهراوة )
- المرأة – الشرطيّ – حاذر , حاذر
- واضبط أعصابك يا سامر
- الجوقة – قل كلماتك يا سامر , قلها
- وليرتفع السيف
- قلها ,
- حتى يكتمل الصف
- سامر- وجهك يا سيدتي
- يتلوّن ,
- يكلح ,
- يصفّر ,
- ويطالبني بالصمت
- لكّني أختار الموت
- ( إعتام
- فوضى , ودوي كلام )
- الجوقة – سامر يصنع من ورق الذاكرة ,
- رسوما للأطفال
- ويشدّ خيوط الأمس
- يتماسك في وجه الريح
- سامر يختار الموت
- صوت سامر – إنّي أؤمن أنّ المطر الخيّر
- سيجيء
- ويكسونا بالأعشاب
- وستطلع ثانية أزهار الحنّون
- ويعمّ غناء الأطفال
- ويكون على الأرض
- فرح غامر ..
- الصدى - ويعمّ غناء الأطفال
- ويكون على الأرض
- فرح غامر ..
- ( يظهر سامر
- متّجها نحو الظلّ )
- سامر- فلتفتح يا سيدتي أبواب السجن
- طفح الحزن
- طفح الحزن
- ( الظلمة تفرد في بطء
- أطراف ستارتها
- فترة صمت )
- الجوقة – الليلة لا يحلم سامر أو يتسكّع
- بين رفوف الكتب الصفراء
- الليلة لا يستجي لقمته ,
- لا يكتب أشعار بكاء
- الليلة يرسم أقمارا خضراء
- فوق الجدران
- ويغّني للإنسان
- الليلة يحتفل وحيدا في عرسه
- يبدع موّالا ,
- وأناشيد جديدة
- تحمل رائحة القمح الأسمر
- والأرض الظمأى
- والعشب اليابس
- الليلة يمنحنا سرّ الخصب ,
- وبدء التكوين
- ( صمت
- موسيقى غضب أسيان )
- الجوقة متوّزعة-
- أما وقد اختار
- في آخر هذا الفصل
- أن يرفع كلمتنا ,
- ويشيل صليب النار
- فلنتذكّر أنّ الليل
- سيكون ثقيل الخطو عليه
- فلكي لا تمتلىء كؤوس مرارتنا ,
- أو تطفح
- فلنهدم هذا المسرح
- فلنهدم هذا المسرح
- ( يهدر فجأة
- نهر الأصوات الغضبى
- وتدّق الأجراس
- في حين
- تسمع في الظلمة , أصوات مقاعد
- تتحّطم
- إذ ينفضّ الناس )
المزيد...
العصور الأدبيه