قصائدفاروق جويدة



حتى الحجارة .. أعلنت عصيانها ..
فاروق جويدة



  • حجر عتيق فوق صدر النيلِ

  • يصرخُ في العراء ..

  • يبكي في أسى

  • ويدور في فزع

  • ويشكو حزنهُ للماء ..

  • كانت رياح العري تلفحهُ فيحني رأسهُ

  • ويئنُ في ألمٍ وينظرُ للوراء ..

  • يتذكرُ المسكينُ أمجادَ السنينِ العابراتِ

  • على ضفافٍ من ضياء ..

  • يبكي على زمنٍ تولَّى

  • كانت الأحجارُ تيجاناً وأوسمةً

  • تزيِّنُ قامةَ الشرفاء ..

  • يدنو قليلاً من مياهِ النهرِ يلمَسُها

  • تعانقُ بؤسَهُ

  • يترنَّحُ المسكينُ بين الخوفِ والإعياء ..

  • ويعودُ يسألُ

  • فالسماءُ الآن في عينيهِ ما عادت سماء ..

  • أين العصافيرُ التي رحلَت

  • وكانت كلما هاجت بها الذكرى

  • تحِنُّ الى الغناء ..

  • أين النخيلُ يعانقُ السُّحبَ البعيدةَ

  • كلما عبَرتْ على وجهِ الفضاء ..

  • أين الشراعُ على جناحِ الضوءِ

  • والسفر الطويل .. ووحشة الغرَباء ..

  • أين الدموعُ تطلُّ من بين المآقي

  • والربيعُ يودع الأزهارَ

  • يتركها لأحزانِ الشتاء ..

  • أين المواويلُ الجميلةُ

  • فوق وجهِ النيلِ تشهد عُرسَهُ

  • والكون يرسمُ للضفاف ثيابها الخضراء ..

  • حجرٌ عتيقٌ فوق صدر النيلِ يبكي في العراء ..

  • حجرٌ ولكن من جمودِ الصَّخرِ ينبتُ كبرياء ..

  • حجرٌ ولكن في سوادِ الصَّخرِ قنديلٌ أضاء ..

  • حجرٌ يعلمنا مع الأيامِ درساً في الوفاء ..

  • النهرُ يعرفُ حزنَ هذا الصامت المهموم

  • في زمنِ البلادةِ .. والتنطُّعِ .. والغباء ..

  • * * *

  • حجرٌ عتيقٌ فوق صدر النيلِ يصرخُ في العراء ..

  • قد جاءَ من أسوان يوماً

  • كان يحملُ سرَّها

  • كالنورِ يمشي فوق شطِّ النيلِ

  • يحكي قصَّةَ الآباءِ للأبناء ..

  • في قلبهِ وهجٌ وفي جنبيهِ حلمٌ واثقٌ

  • وعلى الضفافِ يسيرُ في خُيلاء ..

  • ما زالَ يذكرُ لونهُ الطيني

  • في ركبِ الملوكِ وخلفَهُ

  • يجري الزمانُ وتركعُ الأشياء ..

  • حجرٌ من الزَّمنِ القديم

  • على ضفافِ النيلِ يجلسُ في بهاء ..

  • لمحوهُ عندَ السدِّ يحرسُ ماءهُ

  • وجدوهُ في الهرمِ الكبيرِ

  • يطلُّ في شممٍ وينظرُ في إباء ..

  • لمحوهُ يوماً

  • كان يدعو للصلاةِ على قبابِ القدسِ

  • كان يُقيمُ مئذنةً تُكَبِّرُ

  • فوقَ سد الأولياء ..

  • لمحوهُ في القدس ِ السجينةِ

  • يرجُمُ السفهاء ..

  • قد كانَ يركضُ خلفَهم مثل الجوادِ

  • يطاردُ الزمن الردئَ يصيحُ فوق القدسِ

  • يا اللهُ .. أنتَ الحقُّ .. أنتَ العدلُ

  • أنتَ الأمنُ فينا والرجاء ..

  • لا شئَ غيركَ يوقفُ الطوفان

  • هانت في أيادي الرجسِ أرضُ الأنبياء ..

  • حجرٌ عتيقٌ في زمانِ النُّبلِ

  • يلعنُ كلَّ من باعوا شموخَ النهرِ

  • في سوقِ البغاء ..

  • وقفَ الحزينُ على ضفافِ النهرِ يرقُبُ ماءَهُ

  • فرأى على النهرِ المُعذَّبِ

  • لوعةً .. ودموعَ ماء ..

  • وتساءَلَ الحجرُ العتيقُ

  • وقالَ للنهرِ الحزينِ أراكَ تبكي

  • كيفَ للنهرِ البكاء ..

  • فأجابهُ النهرُ الكسيرُ

  • على ضفافي يصرخُ البؤساء ..

  • وفوقَ صدري يعبثُ الجهلاء ..

  • والآن ألعَنُ كلَّ من شربوا دماءَ الأبرياء ..

  • حتى الدموعُ تحجَّرت فوقَ المآقي

  • صارت الأحزانُ خبزَ الأشقياء ..

  • صوتُ المَعاولِ يشطُرُ الحجرَ العنيدَ

  • فيرتمي في الطينِ تنزفُ من مآقيهِ الدماء ..

  • ويظلُّ يصرُخُ والمعاولُ فوقَهُ

  • والنيلُ يكتمُ صرخةً خرساء ..

  • * * *

  • حجرٌ عتيقٌ فوق صدرِ النيلِ يبكي في ألمْ ..

  • قد عاشَ يحفظُ كلَّ تاريخِ الجدودِ وكم رأى

  • مجدَ الليالي فوقَ هاماتِ الهرمْ ..

  • يبكي من الزَّمنِ القبيحِ

  • ويشتكي عجزَ الهِمَم ..

  • يترنَّحُ المسكينُ والأطلالُ تدمي حولَهُ

  • ويغوصُ في صمتِ الترابِ

  • وفي جوانحهِ سأم ..

  • زمن بنى منهُ الخلود وآخَرٌ

  • لم يبْقَ منهُ سوى المهانةُ والندم ..

  • كيفَ انتهَى الزَّمنُ الجميلُ

  • الى فراغٍ .. كالعَدَمْ ..

  • * * *

  • حجرٌ عتيقٌ فوق صدر النيلِ يصرخُ

  • بعدَ أنْ سَئِمَ السكوتْ ..

  • حتى الحجارةُ أعلنَت عِصيانَها

  • قامَت على الطرُقاتِ وانتفضَت

  • ودارت فوقَ أشلاءِ البيوت ..

  • في نبضِنا شئٌ يموت ..

  • في عزمِنا شئٌ يموت ..

  • في كلِّ حجَرٍ على ضفافِ النهرِ

  • يرتَعُ عنكبوت ..

  • في كلِّ يومٍ في الرُّ بوعِ

  • الخُضرِ يولَدُ ألفُ حوت ..

  • في كلِّ عُشٍّ فوقَ صدرِ النيلِ

  • عصفورٌ يموت ..

  • * * *

  • حجرٌ عتيقٌ

  • لم يزلْ في الليلِ يبكي كالصغارِ

  • على ضفافِ النيلْ ..

  • ما زالَ يسألُ عن رفاق ٍ

  • شاركوهُ العمرَ والزَّمنَ الجميل ..

  • قد كانت الشطآنُ في يوم ٍ

  • تُداوي الجرحَ تشدو أغنياتِ الطيرِ

  • يطربُها من الخيلِ الصهيل ..

  • كانت مياهُ النيلِ تَعشقُ

  • عطرَ أنفاسِ النخيل ..

  • هذي الضفافُ الخُضرُ

  • كم عاشَت تُغَنّي للهوى شمسَ الأصيل ..

  • النهرُ يمشي خائراً

  • يتسكَّعُ المسكينُ في الطُرُقاتِ

  • بالجسَدِ العليل ..

  • قد علَّموهُ الصَّمتَ والنسيانَ

  • في الزمنِ الذّليل ..

  • قد علَّموا النهرَ المُكابرَ

  • كيفَ يأنسُ للخُنوعِ

  • وكيفَ يركَعُ بين أيدي المستحيلْ ..

  • * * *

  • حجرٌ عتيقٌ فوق صدر النيلِ يصرخُ في المدى ..

  • الآن يلقيني السماسرةُ الكبارُ الى الرَّدى ..

  • فأموتُ حزناً

  • لا وداعَ .. ولا دُموعَ .. ولا صَدى ..

  • فلتسألوا التاريخَ عنِّي

  • كلُّ مجدٍ تحت أقدامي ابتدا ..

  • أنا صانعُ المجدِ العريقِ ولم أزل

  • في كلِّ رُكنٍ في الوجودِ مُخلَّدا ..

  • أنا صحوةُ الانسانِ في ركبِ الخُلودِ

  • فكيفَ ضاعَت كلُّ أمجادي سُدَى ..

  • زالت شعوبٌ وانطوَتْ أخبارُها

  • وبقيتُ في الزَّمنِ المكابِرِ سيِّدا ..

  • كم طافَ هذا الكونُ حولي

  • كنتُ قُدّاساً .. وكنتُ المَعبدا ..

  • حتى أطَلَّ ضياءُ خيرِ الخَلقِ

  • فانتفَضَت ربوعي خشيةً

  • وغدوتُ للحقِّ المثابرِ مسجدا ..

  • يا أيُّها الزَّمنُ المشوَّهُ

  • لن تراني بعدَ هذا اليومِ وجهاً جامِدا ..

  • قولوا لهُم

  • إنَّ الحجارةَ أعلنَت عِصيانَها

  • والصامِتُ المهمومُ

  • في القيدِ الثقيلِ تمرَّدا ..

  • سأعودُ فوقَ مياهِ هذا النَّهرِ طيراً مُنشِدا ..

  • سأعودُ يوماً حينَ يغتسلُ الصباحُ

  • البكرُ في عينِ النَّدى ..

  • قولوا لهُم

  • بينَ الحجارةِ عاشقٌ

  • عرِفَ اليقينَ على ضفافِ النيلِ يوماً فاهتدى ..

  • وأحبَّهُ حتى تَلاشَى فيهِ

  • لم يعرِف لهذا الحبِّ عُمراً أو مدى ..

  • فأحبَّهُ في كلِّ شئ ٍ

  • في ليالي الفرحِ في طعمِ الرَّدَى ..

  • مَن كانَ مثلي لا يموتُ وإنْ تغيَّرَ حالُهُ

  • وبدا عليهِ .. ما بدا ..

  • بعضُ الحجارةِ كالشموس ِ

  • يَغيبُ حيناً ضوؤُها

  • حتى إذا سَقَطَت قِلاعُ الليلِ وانكسرَ الدُّجى

  • جاءَ الضياءُ مغرِّدا ..

  • سيظلُّ شئٌ في ضميرِ الكونِ يُشعِرُني

  • بأنَّ الصُّبحَ آتٍ .. أنَّ موعِدهُ غدا ..

  • ليَعودَ فجرُ النيلِ من حيثُ ابتدا ..

  • ليَعودَ فجرُ النيلِ من حيثُ ابتدا ..

  • * * * * *



أعمال أخرى فاروق جويدة



المزيد...

العصور الأدبيه

تعرف على تاريخ الدول عن طريق عملاتها

تعرف على تاريخ الدول عن طريق عملاتها



ماذا يجب أن تعرف عند شراء شقتك؟