الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> فاروق جويدة >> بالرغم منّا .. قد نضيع >>
قصائدفاروق جويدة
بالرغم منّا .. قد نضيع
فاروق جويدة
- -1
- قد قال لي يوماً أبي
- إن جئت يا ولدي المدينة كالغريب
- وغدوت تلعق من ثراها البؤس
- في الليل الكئيب
- قد تشتهي فيها الصديق أو الحبيب
- إن صرت يا ولدي غريباً في الزحام
- أو صارت الدنيا امتهاناً .. في امتهان
- أو جئت تطلب عزة الإنسان في دنيا الهوان
- إن ضاقت الدنيا عليك
- فخذ همومك في يديك
- واذهب إلى قبر الحسين
- وهناك صلي ركعتين
- -2
- كانت حياتي مثل كل العاشقين
- والعمر أشواق يداعبها الحنين
- كانت هموم أبي تذوب .. بركعتين
- كل الذي يبغيه في الدنيا صلاة في الحسين
- أو دعوة لله أن يرضى عليه
- لكي يرى .. جد الحسين
- قد كنت مثل أبي أصلي في المساء
- وأظلُ أقرأ في كتاب الله ألتمس الرجاء
- أو أقرأ الكتب القديمة
- أشواق ليلى أو رياضَ .. أبي العلاء
- -3
- وأتيتُ يوماً للمدينة كالغريب
- ورنينُ صوت أبي يهز مسامعي
- وسط الضباب وفي الزحامِ
- يهزني في مضجعي
- ومدينتي الحيرى ضبابٌ في ضباب
- أحشاؤها حُبلى بطفلٍ
- غير معروف الهوية
- أحزانها كرمادِ أنثى
- ربما كانت ضحية
- أنفاسُها كالقيدِ يعصف بالسجين
- طرقاتُها .. سوداء كالليل الحزين
- أشجارها صفراء والدم في شوارعها .. يسيل
- كم من دماء الناس
- ينزف دون جرح .. أو طبيب
- لا شيء فيك مدينتي غير الزحام
- أحياؤنا .. سكنوا المقابر
- قبلَ أن يأتي الرحيل
- هربوا إلى الموتى أرادوا الصمت .. في دنيا الكلام
- ما أثقل الدنيا ...
- وكل الناس تحيا .. بالكلام
- -4
- وهناك في درب المدينةِ ضاع مني .. كل شيء
- أضواؤها .. الصفراء كالشبح .. المخيف
- جثث من الأحياء نامت فوق أشلاء .. الرصيف
- ماتوا يريدون الرغيف
- شيخٌ ( عجوز ) يختفي خلف الضباب
- ويدغدغ المسكينُ شيئاً .. من كلام
- قد كان لي مجدٌ وأيامٌ .. عظام
- قد كان لي عقل يفجر
- في صخور الأرض أنهار الضياء
- لم يبق في الدنيا حياء
- قد قلتُ ما عندي فقالوا أنني
- المجنونُ .. بين العقلاء
- قالوا بأني قد عصيتُ الأنبياء
- -5
- دربُ المدينة صارخُ الألوانِ
- فهنا يمين .. أو يسارٌ قاني
- والكل يجلس فوق جسمِ جريمةٍ
- هي نزعة الأخلاقِ .. في الإنسانِ
- أبتاه .. أيامي هنا تمضي
- مع الحزن العميق
- وأعيشُ وحدي ..
- قد فقدتُ القلبَ والنبضَ .. الرقيق
- دربُ المدينة يا أبي دربٌ عتيق
- تتربع الأحزانُ في أرجائه
- ويموت فيه الحب .. والأمل الغريق
- -6
- ماذا ستفعل يا أبي
- إن جئتَ يوماً دربنا
- أترى ستحيا مثلنا ؟؟
- ستموت يا أبتاه حزناً .. بيننا
- وستسمع الأصواتَ تصرخُ .. يا أبي : يا ليتنا ..يا ليتنا .. يا ليتنا
- وغدوتُ بين الدربِ ألتمسُ الهروب
- أين المفر؟
- والعمرُ يسرع للغروب
- -7
- أبتاهُ .. لا تحزن
- فقد مضت السنين
- ولم أصلِّ .. في الحسين
- لو كنتَ يا أبتاهُ مثلي
- لعرفتَ كيف يضيع منا كلُ شيء
- بالرغم منا .. قد نضيع
- بالرغم منا .. قد نضيع
- من يمنح الغرباءَ دفئاً في الصقيع؟
- من يجعل الغصنَ العقيمَ
- يجيء يوماً .. بالربيع ؟
- من ينقذ الإنسان من هذا .. القطيع ؟
- -8
- أبتاهُ
- بالأمس عدتُ إلى الحسين
- صليتُ فيه الركعتين
- بقيت همومي مثلما كانت
- صارت همومي في المدينةِ
- لا تذوب بركعتين
المزيد...
العصور الأدبيه