قصائدسعدي يوسف



العقبة
سعدي يوسف



  • -1

  • هي أيْلةُ التاريخِ

  • وهي الآنَ إيلاتُ التي جاءت بها الكبَواتُ واللهجاتُ

  • وهي ، بنُطقِنا ، وغماغمِ استقتالِنا :

  • العَقَبةْ

  • تشِفُّ كذرّةِ البلّورِ أحيانَ اضطرابِ النبضِ

  • أرضَ مَقاتلٍ لصحابةٍ ومُجاهدينَ

  • وواحةً مسكينةً للسِّدْرِ

  • درباً نحوَ مؤتةَ والشّآمِ

  • ونحوَ أن تنداحَ موجةُ ذلك الرملِ المؤجَّجِ

  • ذروةً

  • أو وردةً من وقدةِ الصحراءِ

  • تندفعانِ أعلى ثم أعلى

  • في الهباءِ تدوِّمانِ لترفعا مُدناً

  • وألويةً

  • وعشراً من قلاعٍ

  • حيثُ تستهدي كراديسٌ مدجَّجةٌ

  • نجومَ النَّقْعِ والصلواتِ

  • ............

  • ............

  • ............

  • سوف يئنُّ لورنسُ المهشَّمُ عند إحداها .

  • *

  • ليس في القلعةِ أحدٌ / ليس ثَمّتَ حارسُ آثار/ البحر وحدَه /والصيادون تركوا زوارقَهم إلى المقهى/

  • الشمسُ تغربُ في إيلات/ والقلعةُ العثمانيةُ تسهرُ مرتديةً أسمالَها الفاخرة/لا قذائفَ من مدافع قديمة/

  • لا آثارَ رصاصٍ/ الأسوار ُ الخفيضةُ تنهدمُ باستمرارٍ/ وقريباً سوف يعلو السورُ المرمّمُ صقيلَ الحَجرِ/

  • المِئذنةُ صُبّتْ كاملةً بالإسمنت/والمهندسُ لم يحفظْ حتى لآجُرّةٍ واحدةٍ حقَّها في هواءِ

  • التاريخِ والبحرِ / سوف تكون المنارةُ أنيقةً في كامراتِ السوّاح الذين لا يأتون / الهلالُ الجديدُ

  • ليس من الإسمنتِ / إنه من نحاسٍ سريعِ الصدأ برطوبةِ الشاطيء/

  • القلاعُ لا تُولَد مرّتين...

  • لنهبطْ ، إذاً ، إلى القاع.

  • الفرسانُ المسيحيون ، ثبّتوا خطوتَهم الأولى إلى ما لن يبلغوه إلى الأبد :

  • مكّةَ وشِعابِها.

  • المغِيرون المسلمون ثَبّتوا في هذه القلعة الملتبسة، خطوتَهم الأولى إلى ما لن يتركوه أبداً :

  • بلادِ الشام وأشجارِها.

  • الضبّاطُ العثمانيون كان لهم هنا مفصلُ البحرِ والصحراءِ ،

  • والمدافعُ الأولى التي تدفعُ عن طريقِ مكةَ الطويلِ ، ما قد يقذفُ به البحرُ.

  • المشهدُ واضحٌ. واضحٌ كالسينما الوثائقية ، وجارحٌ،

  • إذاً ، لنهبطْ إلى القاع...

  • لنضعِ الأقنعةَ والزعانفَ

  • وحزامَ الرصاصِ

  • لنحملْ ، مثل جَمَلينِ ، غذاءَ رئتَينا

  • ولْننقذفْ في الأمواه العميقةِ

  • حيثُ الزُّرقةُ ساحلٌ .

  • منظر

  • نِصفُ تفّاحةٍ يختفي هادئاً في الجبال

  • تاركاً في الخليج عموداً من النورِ

  • لا موجَ في البحرِ

  • لكنّ كلَّ السماءِ المحيطةِ بي

  • تنشرُ الآنَ قمصانَها الأُرجوان

  • نِصفُ تفّاحتي غابَ

  • لكنني مثل خيّاطةِ الحيّ

  • ما زلتُ أطوي على ساعِدَيَّ السماء

  • وقمصانَها الأرجوان

  • -2

  • لا بحرَ بين هواءِ مصرَ وبحرِها

  • لا بحر بين هواءِ جَدّةَ في الجنوب وبحرِها

  • إنّا تَوحّدْنا ببازِلتِ البراكينِ

  • التي اندفعتْ لتفصلَ قارتينِ

  • فوحّدَتنا

  • ثم دارتْ في مفاصلنا ، لننساها

  • .............

  • .............

  • .............

  • ستُحْكِمُ شوكةُ الصحراء وخْزتَها

  • لتبتعدَ البراكينُ

  • التي بَرأتْ من البازلتِ آلهةً

  • وماءً دافقاً

  • ومرارةً فيها تلوبُ الروحُ...

  • تُحْكمُ شوكةُ الصحراءِ وَخْزتَها

  • وتدفعُ سُمّها فينا

  • فننسى كلَّ ما في الكون

  • كلَّ علامةٍ في الكونِ

  • إلاّها...

  • *

  • دهب/ شرم الشيخ/ نويبع/ الغردقة/ الدرّة/ عيذاب/ الأسماءُ تتخاطفُ مثل أسماكِ البحرِ الأحمر/

  • تتخاطفُ حتى تبلغ هَرر ومُكلأّ حضرموت/ تتخاطفُ حتى تتمادى...إلى صَحار ومضيقِ هُرمز

  • وبلادِ التاميل/تتخاطفُ حتى لَتتركنا مدوَّخين/ أسماء وكواسجُ ودلافين/ وحوريّاتُ بحّارةٍ ثملينَ

  • بالخطرِ والعواصفِ/ سيأتي حجيجُ مصرَ/ ومن هنا ستحملُ الجِمالُ المُرَفّلةُ كسوةَ الكعبةِ

  • التي كانت تُنسَج بأناةٍ غيرِ مصريّةٍ في متاهة القاهرةِ المُعِزِّيّة/ " نحن مليئون بالسُّمّ "

  • يقول رامبو الفتى/ مليئون بتاريخ الأسَلِ والسيوفِ/ وهذه الجبالُ التي تُرهق أكتافَنا منذ ملايين

  • السنينِ/ هذه الجبالُ السودُ / الجبالُ الوردُ / الجبالُ الرملُ / الجبالُ الجبالُ / من العقبة إلى عدن/

  • أيّانَ تهبطُ عليها، كما في المطر، قطرةُ ماءٍ؟ / ما نحن بسكارى/ نحن مدوَّخون بتاريخٍ لن يقرأه

  • أبناؤنا/ مدَوّخون ببحرٍ هو جحيمُ البحّارةِ منذُ قرونٍ/ سِكّةُ الحديدِ اقتلعَها البدو المُسيَّسون

  • كما يقتلعون ضرساً مسوّساً/ والجِمالُ اشتراها متعهدو العساكرِ/ نحن لا نركبُ البحرَ/

  • ماذا نفعل، إذاً ؟

  • ماذا تفعلين ، ايتها البدويةُ ، بجَمالِكِ ؟ بالخِمارِ المُقَصَّبِ ومِشيةِ الهُوَينى؟

  • وشفتاكِ المُسوَدّتان المحمَّرتانِ من لِحاء الجوزِ؟

  • وثيابكِ المُضَوَّعة ليلاً كاملاً بالبخور ؟

  • أنّى أذهبُ بكِ ؟

  • وأيّانَ الساعةُ التي سيدقُّ فيها قلبانا مثل مِهراسِ البُنّ؟

  • سأرسُمُكِ أيتها البدويةُ " المزركشة كشجرة الميلاد"...

  • سأرسمكِ ماثلةً على ناقةٍ أو كثيبٍ ،

  • سأرسمُ صورتَكِ الفريدةَ ألفَ مرةٍ...

  • لأبيعَها إلى سوّاحٍ موهومين .

  • منظر

  • الفنارُ القديمْ

  • مُطفأٌ

  • لم يَعُدْ في صخورِ المواضعِ بحّارةٌ

  • وحدَه الموجُ

  • يلمسُ ، كالقطِّ ، كُرسيَّ مقهى.

  • دخانٌ من الضفةِ الثانيةْ

  • والسفينةُ تُقْلِعُ.

  • من زورقٍ يتخطّى الفنارَ القديمَ

  • شِباكٌ تدلّتْ ...

  • -3

  • سنُوقِرُ سمعَنا عمّا يقولُ البحرُ

  • سوف نُشيحُ عن شمسِ الغروبِ

  • وملعبِ الأمواجِ ...

  • سوف نكون أتباعاً لهذا أو لهذا

  • نكتفي من كل قافلةٍ

  • بخُبزةِ مَلّةٍ

  • وبتمرتينِ...

  • وسوف ننسى كيف نرسمُ بالنجوم فُجاءةَ الصحراءِ

  • والطرقِ التي لا تنتهي...

  • لا بحرَ يغسلُ منتهى أحلامنا بالملحِ والمرجانِ والأسماكِ

  • لا صحراء تُنبِتُ وردةَ المجهول...

  • صِرنا بين مُصطَفِقَينِ ينطبقانِ

  • باعاً بعد باعٍ ،

  • كيف نُفلتُ ؟

  • كيف نُبعِدُ أن تَعُدَّ عِضادتانِ

  • دقائقَ الرملِ الذي سيكون مَثوانا الأخيرَ

  • وعُشّةَ العششِ؟

  • ............

  • ............

  • ............

  • اختفى المرجانُ

  • واندفعتْ سراطينُ الشواطيء نحوَ مأواها.

  • *

  • لا جملَ لدينا ولا سفينة/ لا خيمةَ ولا منزل/ لكن لنا أن نسألَ عن المأوى/

  • والعقبةُ خاويةٌ على عروشها/ العشيرةُ أمستْ شيخاً/ والشيخُ في الحاضرةِ

  • البعيدةِ/ كلُ شيء مؤجَّلٌ مثل ديونِ الجنود/ العقبةُ مؤجلة/ الحروبُ في الكتب/

  • والسلامُ في الدفاتر/ونحن: لا رَكْبٌ ولا بَحّارةٌ/ نحن في هذه العقبةِ حسبُ/

  • علينا ،إذاً ، أن نختلقَ المأوى/ ليكنْ لَبِناً وصفيحاً/ليكن ألواحاً ممّا ألقت

  • السفنُ/ليكنْ حبالاً وأنسجةً مموّهةً/ ليكن العراء...

  • هكذا بنَينا ، نحن اليتامى ، العقبةَ الفقيرةَ ، مأوىً ذا دروبٍ متربةٍ ودكاكينِ فولٍ

  • وفلافل/ لنا أيضاً مقاهينا/ حيث الشايُ ذو القروش العشرة/ وورقُ اللعبِ المهتريء/

  • سائقو الشاحناتِ والمهرِّبون بين مرافيء البحرِ الأحمرِ يسكنون أفئدتَنا

  • وحجراتِنا العارية/ أين سنذهبُ هذا المساء؟ بار روميرو مفتوحٌ عند البحر/

  • حانةُ إلكازار أيضاً/ وناصيةُ علي بابا/ ثمّتَ مشاربُ سريّةٌ وفتياتٌ

  • - إنْ شئتَ- / أنت تفضِّل الشايَ بالنعناع/ نادي الغوصِ الملكيّ (سوف

  • يباع ) أغلقَ بوّابتَه في الرابعة/ لماذا تنظرُ إليّ بالنظر الشّزرِ ؟/ أتقول إني

  • لا أعرف كيف أقودك؟ / فلْنذهبْ إلى إيلات ...

  • الصباحُ في العقبةِ باكرٌ دائماً/ ثمّت طراوةٌ وشجرٌ مبتلٌّ برطوبةِ الليلِ /

  • والتلاميذُ في الشارع الضيّق/ يحملون أرغفةً ساخنةً فيها حبّاتُ فلافل/

  • المَسْمكةُ تُعلِّقُ ( مثل الخراف ) أسماكَ التونة/ والحلاّقون ينفضون

  • عن كراسيّهم ما تبَقّى من شَعرِ البارحة/ فلاّحو العقبة (مصريون )

  • جاؤوا إلى السوقِ بالفجلِ الأحمرِ والنعناعِ والكزبرة/ شارعُ الحمّامات

  • لم تُفتَحْ مقاهيه بَعدُ.

  • الحيُّ القديم يضجّ الآنَ في حُمّى الهاجرة.

  • السلامُ عليك يا بن عبد الله ...

  • منظر

  • الجبالُ رماديّةٌ

  • غير أنّ الرماديَّ ينكشفُ الآنَ

  • أبيضَ / أزرقَ مثلَ الضّباب...

  • النُّخَيلاتُ مُزرقّةٌ هي أيضاً

  • وفي البُعدِ

  • في أوّلِ الكونِ

  • يبدو السحاب ...



أعمال أخرى سعدي يوسف



المزيد...

العصور الأدبيه

اخطر 20 صورة سيلفي في العالم

اخطر 20 صورة سيلفي في العالم



ماذا يجب أن تعرف عند شراء شقتك؟