الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> سعاد الصباح >> تحت المطر الرمادي ! >>
قصائدسعاد الصباح
- -1
- على هذه الكُرَةِ الأرضية المُهتزّهْ
- أنت نُقْطَةُ ارْتِكازي
- وتحت هذا المَطَر الكبريتيِّ الأسودْ
- وفي هذه المُدُنِ التي لا تقرأُ... ولا تكتبْ
- أنت ثقافتي...
- - 2 -
- الوطنُ يَتفتَّتُ تحت أقدامي
- كزجاجٍ مكسُورْ
- والتاريخُ عَرَبةٌ مات سائقُها
- وذاكرتي ملأى بعشرات الثُقُوبْ...
- فلا الشوارعُ لها ذاتُ الأسماءْ
- ولا صناديقُ البريد احتفظتْ بلونها الأحمرْ
- ولا الحمائمُ تَستوطن ذات العناوينْ...
- - 3 -
- لم أعُدْ قادرةً على الحُبِّ... ولا على الكراهيَهْ
- ولا على الصَمْتِ, ولا على الصُرَاخْ
- ولا على النِسْيان, ولا على التَذَكُّرْ
- لم أعُدْ قادرةً على مُمَارسة أُنوثتي...
- فأشواقي ذهبتْ في إجازةٍ طويلَهْ
- وقلبي... عُلْبَةُ سردينٍ
- انتهت مُدَّةُ استعمالها...
- - 4 -
- أحاول أن أرسُمَ بحراً... قزحيَّ الألوانْ
- فأفْشَلْ...
- وأحاولُ أن أكتشفَ جزيرةً
- لا تُشْنَقُ أشجارُها بتُهْمةِ العَمالهْ
- ولا تُعتقلُ فراشَاتُها بتُهمَة كتابة الشِعْر...
- فأفْشَلْ...
- وأحاول أن أرسُمَ خيولاً
- تركضُ في براري الحريّهْ...
- فأفْشَلْ...
- وأحاولُ أن أرسمَ مَرْكَباً
- يأخُذُني معك إلى آخر الدنيا...
- فأفْشَلْ...
- وأحاول أن أخترعَ وطناً
- لا يجلدُني خمسين جَلْدةً... لأنني أحبُّك
- فأفْشَلْ...
- - 5 -
- أحاولُ, يا صديقي
- أن أكونَ امرأةً...
- بكل المقاييس, والمواصفات
- فلا أجدُ محكمةً تصغي إلى أقوالي...
- ولا قاضِياً يقبَلُ شَهَادتي...
- - 6 -
- ماذا أفعلُ في مقاهي العالم وحدي?
- أمْضَغُ جريدتي?
- أمْضَغُ فجيعتي?
- أمْضَعُ خيطانَ ذاكرتي?
- ماذا أفعل بالفناجينِ التي تأتي... وتَروُحْ?
- وبالحُزْنِ الذي يأتي... ولا يروُحْ?
- وبالضَجَرِ الذي يطلعُ كلّ رُبْعِ ساعهْ
- حيناً من ميناءِ ساعتي
- وحيناً من دفترِ عناويني
- وحيناً من حقيبةِ يدي...?
- - 7 -
- ماذا أفعلُ بتُراثِكَ العاطفيّ
- المَزْرُوعِ في دمي كأشجارِ الياسمين?
- ماذا أفعلُ بصوتِكَ الذي ينقُرُ كالديكِ...
- وجهَ شراشفي?
- ماذا أفعلُ برائحتِكَ
- التي تسبح كأسماك القِرْشِ في مياه ذاكرتي
- ماذا أفعلُ بَبَصماتِ ذوقِكَ... على أثاث غرفتي
- وألوان ثيابي...
- وتفاصيلِ حياتي?...
- ماذا أفعلُ بفصيلةِ دمي?...
- يا أيُّها المسافرُ ليلاً ونهاراً
- في كُريَّاتِ دمي...
- - 8 -
- كيفَ أسْتحضركَ
- يا صديق الأزمنة الوَرْديّهْ?
- ووجهي مُغَطَّى بالفَحْم
- وشعوري مُغَطَّى بالفحْم
- ليست فلسطين وحدَها هي التي تحترقْ
- ولكنَّ الشوفينيَّهْ
- والساديّهْ
- والغوغائيّة السياسيَّهْ
- وعشرات الأقنعةِ, والملابس التنكريَّهْ...
- تحترق أيضاً
- وليست الطيورُ, والأسماكُ وحدَها
- هي التي تختنقْ
- ولكنَّ الإنسانَ العربيَّ هو الذي يختنقْ
- داخل (الهولوكوستِ) الكبيرْ...
- - 9 -
- يا أيها الصديق الذي أحتاجُ الى ذراعَيْهِ في وقت ضَعْفي
- وإلى ثباته في وقت انهياري
- كل ما حولي عروضُ مسرحيَّهْ
- والأبطالُ الذين طالما صفَّقتُ لهم
- لم يكونوا أكثر من ظاهرةٍ صَوْتيَّهْ...
- ونُمُورٍ من وَرَقْ...
- - 10 -
- يا سيِّدي يا الذي دوماً يعيدُ ترتيبَ أيَّامي
- وتشكيلَ أنوثتي...
- أريد أن أتكئ على حنان كَلِماتِكْ
- حتى لا أبقى في العَرَاءْ
- وأريدُ أن أدخلَ في شرايينِ يَدَيكْ
- حتى لا أظلَّ في المنفى...
المزيد...
العصور الأدبيه