قصائدبدر شاكر السياب



مرثية جيكور
بدر شاكر السياب



  • يا صليب المسيح ألقاك ظلا فوق جيكور طائر من حديد

  • يا لظل كظلمة القبر في اللون و كالقبر في ابتلاع الخدود

  • و التهام العيون من كل عذراء بيت لحم الولود

  • مرّ عجلان بالقبور العواري من صليب على النصارى شهيد

  • فاكتسب منه بالصليب الذي ما كان إلا رمزا الهلاك الأبيد

  • لا رجاء لها بأن يبعث الموتى و لا مأمل لها بالخلود

  • ويل جيكور ؟ أين أيامها الخضر و ليلات صيفها المفقود

  • و العشاء السخي في ليلة العرس و تقبيلة العروس الودود

  • و انتظار له على الباب

  • محمود تأخرت يا أبا محمود

  • ناد محمود

  • ثم يوفي على الجمع بمنديل عرسه المعقود

  • نقطته الدماء يشهدن للخدر بعذراء يا لها من شهود

  • لا على العقم و الردى بل على الميلاد و البعث و الشباب الجديد

  • أي صوت يصيح محمود محمود تأخرت كالنواح البعيد

  • أين محمود ليس محمود في الدار و لا الحقل

  • يا أبا محمود

  • ناد محمود كاد أن يهتف الديك و ما زال جمهنا في الوصيد

  • قل له يبرز الدماء فأنا في انتظار لها و شوق مبيد

  • ذر نجم الصباح محمود محمود أأقبلت بالدم المنشود

  • أي جرح يتر منه الدم الموار في باب دارك المرصود

  • إنه منك منك هذا الدم الثر و من جانب العروس القديد

  • الصليب الصليب إنا رأيناه و قد مر كالخيال الشرود

  • قد رأيناه في الصباح و في الليل سمعنا كقعقعات الرعود

  • أهو هذا الذي يريدون ؟ أشلاء و أنقاض منزل مهدود

  • أفما قامت الحضارات في الأرض كعنقاء من رماد اللحود

  • لا و لم افرح العقول على المجهول يسبرن فيه غور الوجوه

  • أو يشقّ العباب قلع يصك الريح صكا إلى البعيد البعيد

  • أو يلمّ النسيم عقدا من النور و يذروه باقة من ورود

  • ساحر فجر المدى عن مدى ملآن باللحن مترع بالنشيد

  • أو تدّق الأجراس يا أرض يا بشراك بالحبّ و المسيح الوليد

  • لا و لم يختم الزجاج على كل هرقل من العقار الأكيد

  • بخنق الموت كلما همّ بالناس و يجتاح كاسرات الأسود

  • لا و لا قيس بعدما لفه الليل من الأرض و احتوى من حدود

  • بالذي قاس حافة الساعة القوراء في قرصها ذراعا حديد

  • أو يفض الظلام ألا لكي تندّك جيكور بالسلاح الجديد

  • كي يراها على اتساع المدى و الشأو من ليس طرفه بالحديد

  • من وراء المحيط و الليل و الغابات و البيد و الذرى و السدود

  • أين من شال جين أطمار كلثوم ؟ و أن الغضا من الأركيد

  • فيم أسرى صحاب جين المغاوير إلى زوج كلثوم المنكود ؟

  • أنت جيكور كل جيكور أحداق العذارى و باسلات الزنود

  • و الرؤوس التي حثا فوقهنّ الدهر ما في رحاه من تنكيد

  • صرّد القمح من نثار لها اللون و لم تحظ بالرغيف الوئيد

  • فهي صحراء تزفر الملح آهات و شكوى لمائها المؤود

  • خورس

  • شيخ اسم الله ترللا

  • قد شاب ترلّ ترلّ ترار و ما هلّ

  • ترلل العيد ترللا

  • ترللا عرّس حمادي

  • زغردن ترلّ ترللا

  • الثوب من الريز ترلّلا

  • و النقش صناعة بغداد

  • إنها الريح فاملئي الريح يا جيكور بالضحك أو نثار الورود

  • فقطب الصمت حيث كانت أغانيك و حيث العبير نتن الصديد

  • جاء قرن و راح و المدن في ضوضاء و ما زلن من حساب النقود

  • ضاع صوت الضعاف فيها و آهات النبيين و ابتهال الطريد

  • و استحال الفضاء من ضجة الآلات فيها و من لهاث العبيد

  • غير هذا الفضاء شيئا لغير الآدميين ربما للقرود

  • ربما للذئاب و الدود و الآذنى من الدود في الحضيض البليد

  • ظلّ ذاك الضجيج كالجيفة الحبلى بما ليس غير عقم الولود

  • ثمة التمّ في كرات من النار فألقى عليك صمت اللحود

  • لا عليك السلام يا عصر تعبان بن عيسى و هنت بين العهود

  • ها هو الآن فحمة تنخر الديدان فيها فتلظي من جديد

  • ذلك الكائن الخرافيّ في جيكور هومير شعبه المكدود

  • جالس القرفصاء في شمس آذار و عيناه في بلاط الرشيد

  • يمضغ التبغ و التواريخ و الأحلام بالشدق و الخيال الوئيد

  • ما تزال البسوس محمومة الخيل لديه و ما خبا من يزيد

  • نار عينين ألقتاها على الشمر ظلالا مذبحات الوريد

  • كلما لز شمره الخيل أو عرى أوزيده التحام الجنود

  • شد راحا و أطلق المغزل الدراء يدحوه للمدار الجديد

  • و انتهى من حديثه الضخم عن ضخم منالغزل و انتهى من قعود

  • نصف عريان يسحب الطرف عن صدر تعرى و عن قميص فقيد

  • غير بقيا على فم دق حتى عن فم العنكبوت في رأس عود

  • مغزل ينقض الذي حاكه النول و جهد أضاع شتى جهود

  • فهو كد و ليس بالكد أردى قبله اثنين و أدعى بالمزيد

  • حاضر غير حاضر منه للماضي فناء و للغد الموعود

  • لا عليك السلام يا عصر تعبان بي عيسى و هنت بين العهود

  • أنت أيتمت كل روح من الماضي و سودت آله من حديد

  • تسكب السم و اللظى لا حليب الأم أو رحمة الأب المفقود

  • سلم في الحضيض أعلاه مرقاه انخفاض و إن بدا كالعصود

  • حدقت منه في الورى مقلتا فوكاي تستشرقان أيام هود

  • و المسيح المبيع بخسا بما لو بيع لحما لناء عن تسديد

  • حدّقي حيث شئت يا عين فوكاي المدمّاه من مداك المديد

  • فهي سوق تباع فيها لحوم الآدميين دون سلخ الجلود

  • كل أفريقيا و آسيه السمراء ما بين زنجها و الهنود

  • و اشتري لحم كلّ من نطق الضاد تجار تبيعه لليهود

  • هكذا قد أسف من نفسه الإنسان و انهار مانهيار العمود

  • فهو يسعى و حلمه الخبز و الأسمال و النعل و اعتصار النهود

  • و الذي حارت البرية فيه بالتآويل كائن ذو نقود



أعمال أخرى بدر شاكر السياب



المزيد...

العصور الأدبيه



تجنب هذه الأخطاء عند شراء شقتك