الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> بدر شاكر السياب >> مدينة بلا مطر >>
قصائدبدر شاكر السياب
- مدينتنا تؤرّق ليلها نار بلا لهب
- تحمّ دروبها و الدّور ثم تزول حمّاها
- و يصبغها الغروب بكل ما حملته من سحب
- فتوشك أن تطير شراره و يهب موتاها
- صحا من نومه الطينيّ تحت عرائش العنب
- صحا تموز عاد لبابل الخضراء يرعاها
- و توشك أن تدق طبول بابل ثم يغشاها
- صفير الريح في أبراجها و أنين مرضاها
- و في غرفات عشتار
- تظل مجامر الفخار خاوية بلا نار
- و يرتفع الدعاء كأن كل حناجر القصب
- من المستنقعات تصيح
- لاهثة من التعب
- تؤوب إله الدم خبز بابل شمس آذار
- و نحن نهيم كالغرباء من دار إلى دار
- لنسأل عن هداياها
- جياع نحن و اأسفاه فارغتان كفّاها
- و قاسيتان عيناها
- و باردتان كالذهب
- سحائب مرعدات مبرقات دون إمطار
- قضينا العام بعد العام بعد العام نرعاها
- وريح تشبه الإعصار لا مرّت كإعصار
- و لا هدأت ننام و نستفيق و نحن نخشاها
- فيا أربابنا المتطلعين بغير ما رحمه
- عيونكم الحجار نحسّها تنداح في العتمة
- لترجمنا بلا نقمة
- تدور كأنهن رحى بطيئات تلوك جفوننا
- حتى ألناها
- عيونكم الحجار كأنّها لبنان أسوار
- بأيدينا بما لا تفعل الأيدي بنيناها
- عذارانا حزاني ذاهلات حول عشتار
- يغيض الماء شيئا بعد شيء من محيّاها
- و غصنا بعد غصن تذبل الكرمة
- بطيء موتنا المنسلّ بين النور و الظلمة
- له الويلات من أسد نكابد شدقه الأدرد
- أنار البرق في عينيه أم من شعله المعبد
- أفي عينيه مبخرتان أوجرتا لعشتار
- أنافذتان من ملكوت ذات العالم الأسود
- هنالك حيث يحمل كل عام جرحة الناريّ
- جرح العالم الدوار فاديه
- و منقذه الذي في كل عام من هناك يعود بالازهار
- و الأمطار تجرحنا يداه لنستفيق على أياديه
- و لكن مرّت الأعوام كثرا ما حسبناه
- بلا مطر و لو قطرة
- و لا زهرة و لو زهرة
- بلا ثمر كأنّ نخيلنا الجرداء أنصاب أقمناها
- لنذبل تحتها و نموت
- سيدنا جفانا آه يا قبره
- أما في قاعك الطيني من جرّة
- أما فيها بقايا من دماء الرب أو بذره
- حدائقه الصغيرة أمس حعنا فافترسناها
- سرقنا من بيوت النمل من أجرانها دخنا و شوفانا
- و أوشابا زرعناها
- فوفّينا و ما وفى لنا نذره
- و سار صغار بابل يحملون سلال صبّار
- و فاكهة من الفخّار قربانا لعشتار
- و يشعل خاطف البرق
- بظل من ظلال الماء و الخضراء و النار
- و جوههم المدوّرة الصغيرة و هي تستسقي
- فيوشك أن يفتّح و هي تومض حقل نوار
- ورفّ كأنّ ألف فراشة نثرت على الأفق
- نشيدهم الصغير
- قبور إخوتنا تنادينا
- و تبحث عنك أيدينا
- ل؟أن الخوف ملء قلوبنا و رياح آذار
- تهز مهودنا فنخاف و الأصوات تدعونا
- جياع نحن مرتجفون في الظلمة
- و نبحث عن يد في الليل تطعمنا تغطّينا
- نشد عيوننا المتلفتات بزندها العاري
- و نبحث عنك في الظلماء عن ثديين عن حلمة
- فيا من صدرها الأفق الكبير و ذديها الخيمة
- سمعت نشيجنا و رأيت كيف نومت فاسقينا
- نموت و أنت واأسفاه قاسية بلا رحمة
- فيا آباءنا من يفتدينا من سيحيينا
- و من سيمةت يولم لحمه فينا
- و أبرقت السماء كأن زنبقة من النار
- تفتح فوق بابل نفسها و أضاء وادينا
- و غلغل في قراره أرضنا
المزيد...
العصور الأدبيه