الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> بدر شاكر السياب >> قاريء الدم >>
قصائدبدر شاكر السياب
- أنا أيها الطاغوت مقتحم الرتاج على الغيوب
- أبصرت يومك و هو يأزف
- هذه سحب الغروب
- يتوهج الدم في حفافيها و تنثر في الدروب
- شفق البنفسج و الورود و لون أردية الضحايا
- فتشع أعمدة عوابس و الرصيف من الصبايا
- و النسوة المتهامسات كحقل قمح و السطوح
- كأن بابل أودعتها من جنائنها بقايا
- لو أن غرسا كان بشر و أسمع من يصيح
- هو ذا يساق إلى الحساب كأن أعراق المغيب
- قطعت فصاح كأن صوتا على لظى حملته ريح
- من كل أودية الجحيم هواه
- إني شهدت سواك ينسفه اختناق للصدور
- بغيظها وسمعت قفقفة الضحايا في القبور
- و دم الحوامل و هو تشربه الأجنحة في دجاها
- فسمعت وقع خطاك خائرة تجر إلى السعير
- حطام جسمك و السعير مدى تراها
- تحتز من قصبات صدرك ثأر كل دم العصور
- إني أكلت مع الضحايا في صحاف من دماء
- و شربت ما ترك الفم المسلول منه على الوعاء
- و شمعت ما سلخ الجذام من الجلود على ردائي
- و نشقت ماء جوارب السجناء في نفس الهواء
- فشممت فيه دخان دارك و احتراق بنيك فيها
- و شواء لحم بنيك لولا أن شيمة محرقيها
- ألا يذوق الأبرياء جزاء غير الأبرياء
- إني شببت مع الجياع مع الملايين الفقيرة
- فعرفت أسرارا كثيرة
- كل اختلاجات القلوب و كل ألوان الدعاء
- إغضاءة المقل الضريره
- يتطلع الدم في ظلام جفونهنّ إلى الضياء
- و الحاملات نذورهن إلى قبور الأولياء
- ألموقدات شموعهن تلق ألسنها الكثيرة
- كسر الرغيف و يعتصرن دم الثدي إلى الدماء
- و تأوه المستنقعات وزفة البرديّ فيها
- و طنين أجنحة البعوض كأن غرقي ساكنيها
- يتنفسون من القرار و يضرعون إلى السماء
- أن ينجو الأطفال من غرق وحمّى في الهواء
- و ملالة الأكواخ تشرب كل أمطار الشتاء
- حتى تغص بها فللقصب النقيع بكل ماء
- شهقات محتضر يغر و إن تقيأ بالدواء
- و تنهد الأشجار عطشى يابسات في الظهيرة
- تنكسر الورقات فيها و المناقير الصغيرة
- فكأن مقبرة الهجيرة
- تمتص من رحم الحياة لتسفي الموتى عصيره
- أنا قاريء الدم لا تراه و أنت أنت المست بيح
- أفلست تجرؤ أن تحدق فيه علك تستريح
- من ازدياد دم تذر على جفونك منه نار
- لزج يسل مع الرقاد كأن بؤبؤك الذبيح
- قابيل حدق في دماء أخيه أمس
- و أنت يأخذك الدوار
- من رؤية الدم و هو ينزف ثم يركد فالغبار
- من تحته كفم الرضيع له اختلاج و افترار
- أتخاف أن تطأ النبؤة مقلتيك هو الدمار
- أتخاف منها أن تفرّ كأن سرب قطا يثار
- فأنت مع هلع تخض إلى المشاش هو الدمار
- إني خبرت الجوع يعصر من دمي و يمصّ مائي
- و عرفت ما قلق الطريد يكاد كل فم ورائي
- يعوي ب ها هو ذا و توشك كل عين ألتقيها
- أن يومض اسمي في قرارتها و جهلي بالدروب
- و لست أسأل عابريها عن بعيد عن قريب
- من منتهاها و اكتئابي و الحنين مع الغروب
- و توقع المتعقبين خطاي أحسست في صداها
- وقع الخطى و أكاد ألتفت التفاتة مستريب
- ألا تشد يد على كتفي و أوشك أن أرها
- أعرفت ذاك ؟ فسوف تعرف منه دنيا في مداها
- تصطف أعمدة عوابس ثم تسمع من يصيح
- هوو ذا يساق إلى الحساب كأنما اطرحت رداها
- جثت القبور كأن صوتا من لظى حملته ريح
- من كل أدوية الجحيم هوا..ه
المزيد...
العصور الأدبيه